واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- أعلن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في مقابلة، الخميس، عن "احتواء" تنظيم "داعش" الإرهابي، مؤكدا إيقاف خلية إرهابية في العراق وسوريا.
وفي اليوم التالي، ادعى "داعش" مسؤولية واحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية في التاريخ الأوروبي، محطما الشعور المتزايد بالتقدم في المعركة العالمية ضد المتطرفين، ومبرزاً قدرته المخيفة على تنسيق الهجمات خارج قاعدة سلطته في العراق وسوريا.
وقال مسؤول كبير في الإدارة: "نحن، بمن فيهم الرئيس، قلنا منذ البداية إن المعركة ضد داعش ستكون طويلة وسيكون هناك أيام جيدة وأخرى سيئة"، وجاء ذلك لشرح الانفصال بين تصريحات أوباما والمجموعة المذهلة من الهجمات المنسقة التي صدمت أوروبا وأسفرت عن مقتل أكثر من 129 شخص، الجمعة، في باريس.
ومن غير الواضح حتى الآن هوية من نفذ هجمات باريس، ولكن الحكومة الفرنسية ألقت باللوم على "داعش"، وقال مسؤولون أمريكيون إنه لا يوجد سبب للشك في ذلك التأكيد.
وكان الهدف المعلن للولايات المتحدة هو قطع رأس "داعش،" لكن الجماعة التي ادعت مسؤولية هجمات باريس، أظهرت أن استراتيجية أمريكا ليست فعّالة ضد منظمة تحتضن الموت ويمكن لأعضائها إلى حد كبير التصرف من تلقاء أنفسهم.
نضج "داعش" بسرعة أثناء إدارة أوباما من مجموعة وصفها الرئيس مرة بأنها مجموعة هواة بالمقارنة بتنظيم "القاعدة،" إلى تهديد مرعب للغرب. إنه تهديد من الواضح أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تستوعبه تماما حتى الآن.
وقبل الهجوم، دعا أوباما إلى الاطمئنان من ناحية نمو "داعش" في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه في حين لم تُهزم الجماعة الإرهابية، تم السيطرة عليه.
وأضاف لوكالة أنباء "ايه بي سي نيوز": "إننا لم تتمكن حتى الآن من ... قطع رأس هياكل القيادة والسيطرة الخاصة." ولكنه أشار إلى النجاح في "محاولة الحد من تدفق المقاتلين الأجانب".
وتقول الإدارة إنه عندما أعلن أوباما عن احتواء "داعش"، كان يتحدث فقط عن الجهود المبذولة لمساعدة القوات العراقية والكردية وجهود القصف الأمريكي في سوريا.
ويبدو أن الانتصارات الأخيرة ضد التنظيم دعمت تأكيد أوباما، إذ استعادت القوات الكردية جبل سنجار في العراق بمساعدة القوات الجوية الأمريكية في وقت متأخر من هذا الأسبوع.
وأعلنت السلطات الأمريكية، الخميس الماضي، أنها تعتقد أن غارة طائرة بدون طيار قتلت "جون الجهادي"، جلاد" داعش"، والذي يُعتبر انتصارا رمزيا للأميركيين بعد قتل عدد من الضحايا الأمريكيين وجنسيات أخر أمام عدسات الكاميرا واستخدام ذلك في مقاطع الفيديو الدعائية. وعموما، فقد تباطأ استيلاء "داعش" على الأراضي.
وقال مسؤول أمريكي في إدارة أوباما: "إنه كان يعني بالتحديد ما قاله،" في إشارة إلى تصريحات الرئيس حول احتواء التنظيم، وأكمل: " تم احتواء/ إيقاف تقدم داعش من حيث المكاسب الإقليمية في العراق وسوريا".
وحتى قبل إعلان تعليق أوباما بشأن "احتواء داعش" في العراق وسوريا، كان التنظيم يستعرض نفوذه خارج حدود تلك البلدان، من خلال هجمات لجماعات متصلة بـ"داعش" في بيروت وإسقاط طائرة ركاب روسية في شبه جزيرة سيناء.
وتقلب سلسلة هجمات باريس موازين الجهود الأميركية والغربية في مكافحة الإرهاب. وقال مسؤول في البيت الأبيض لـCNN، قبل مغادرته متوجها إلى تركيا لحضور قمة العشرين، إن الرئيس "سيعقد اجتماعا لمجلس الأمن القومي لمراجعة أحدث الاستخبارات المحيطة بهجمات باريس."
وقال مسؤول كبير في الاستخبارات الأمريكية: "في هذه المرحلة المبكرة، لم نر شيئا يتعارض مع تقييم الرئيس هولاند للوضع"، مشيرا إلى أن لوم الفرنسيين تنظيم "داعش".
وأضاف: "هناك تحقيق فرنسي لمكافحة الإرهاب، ونحن نعمل مع المسؤولين الفرنسيين لتقديم أي مساعدة قد يحتاجونها، وعندما نستطيع مشاركة المعلومات مع الشعب سنفعل ذلك."
لكن من المؤكد أن يسبب الحدث إعادة تقييم الاستراتيجيات في الولايات المتحدة وأوروبا، داخل بلدانهم وبشأن كيفية التعامل مع "داعش" في الشرق الأوسط.
وتعتبر سيطرة "داعش" على الأراضي في العراق وسوريا وقدرته على تنفيذ هجمات خارج قاعدته، بطبيعة الحال، قضايا منفصلة. ويخشى مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيين أن هذه الهجمات قد تكون المرحلة الثانية من حرب "داعش".
وفي حين يكتسب "داعش" ويرسخ سيطرته على أراضي داخل نطاق نفوذه، ليست الهجمات الخارجية أولويته. ولكن القلق بين مسؤولي مكافحة الإرهاب يتمحور حول أنه بمجرد محاولة الولايات المتحدة وغيرها للحد من توسعه الإقليمي، أو حتى التسبب في بعض التراجع، سيبدأ "داعش " بإرسال مجنديه الغربيين من جديد أو محاولة تهريب المقاتلين لتنفيذ هجمات.
ويتوقع مسؤولو مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة أن أوروبا، ولا سيما بلدانها ذات أعداد المقاتلين الأجانب الكبيرة، ستكون أول أهداف "داعش".
اجتماعات قادة العالم
كان من المقرر للحرب ضد "داعش" أن تحتل في المقام الأول جزءا كبيرا من جدول أعمال اجتماعات كبار زعماء العالم في تركيا، والتي سيحضرها أوباما. وقال مسؤولون في البيت الأبيض، تحدثوا قبل هجمات باريس، إن أوباما كان حريصا على دعم التحالف العالمي من الدول التي انضمت إلى المعركة الجماعية.
والآن من شأن هذه الهجمات أن تجعل تلك المناقشات أكثر ضرورة، وكان من المقرر لأوباما أن يتحدث مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في قمة العشرين، ولكن هولاند قال الجمعة إنه سيلغي رحلته إلى تركيا.
ويترك ذلك الساحة للاعبين الرئيسين الآخرين، مثل أوباما والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، لوضع خطة الاستجابة في القمة التي ستعقد في منتجع على شاطئ الريفييرا التركية.
واجتمع القادة بالفعل لعشاء عمل تركز على مكافحة "داعش"، الأحد، والتقى أوباما مع خمسة زعماء الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين، الاثنين.
وسيلتقى أوباما أيضا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الجهود الحديثة في سوريا، التي أجبرت الإدارة على إعادة تنظيم استراتيجيتها. وقال مساعدو أوباما في حين إنه ليس هناك اجتماع رسمي مقرر بينهما، إلا أن هناك عدة فرص للتحدث.
الجهود السابقة لمكافحة التطرف
هجوم المتطرفين الإسلاميين في يناير/ كانون الثاني الذي استهدف المجلة الفرنسية "شارلي ابدو" دفع أوروبا لمراجعة استراتيجيتها حول تدفق المقاتلين الأجانب إلى القارة وتفشي التطرف الإسلامي بين الشباب المحبطين. وأعلن شخص واحد على الأقل من مهاجمي "شارلي ابدو" ولاءه لـ"داعش" على شبكة الانترنت، رغم أنه لم تكن هناك أي معلومات حول عملهم بناءً على أوامر مباشرة من قيادة التنظيم.
وفي أعقاب الهجمات، عقد أوباما قمة في واشنطن بشأن مكافحة التطرف العنيف، ولكنه تأخر عن موعده، ووضع أخيرا في جدول الأعمال كرد فعل لهجمات باريس.
وقال مسؤولون في ذلك الوقت إن أوباما يريد جمع المعلومات حول أفضل السبل لتحديد ومواجهة المتطرفين العنيفين في الولايات المتحدة وفي الخارج، لكنه رفض تحديد التطرف الإسلامي باعتباره محور التركيز الرئيسي للتجمع.
وقال أوباما في مقابلة في شهر يناير/ كانون الثاني، مع صحفي CNN، فريد زكريا: " أنا لا أهتم بالتسميات، وأعتقد أننا جميعا ندرك أن هذه هي مشكلة معينة لها جذور في المجتمعات الإسلامية. لكنني أعتقد أننا نؤذي أنفسنا في هذه المعركة إذا لم نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الغالبية العظمى من المسلمين ترفض هذا الفكر".
وفي وقت سابق من العام، تزعم أوباما جلسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تهدف إلى معالجة تدفق المقاتلين الأجانب القادمين من سوريا، وقال في أعقاب ما نوقش في اجتماع الجمعية العامة هذا العام إنه يريد التركيز على أصول التطرف.
ولكن حتى بوجود هذه الجهود، اعترف مساعدو أوباما أنه ليس هناك حل سريع للمشاكل واسعة الانتشار التي تواجه أوروبا والولايات المتحدة.
إذ قالت مستشارة الأمن القومي الأمريكي، سوزان رايس، قبيل رحلة الرئيس لقمة العشرين: "إن الأمر لا يتعلق باجتماع واحد أو حدث واحد، هذه القضايا شديدة التعقيد، وإن لم تكن كذلك، لوجد حلها منذ زمن طويل."