هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
لا شك أن ما وقع فى باريس يوم الجمعة 14/11/2015 زلزال قلب الطاولات على جميع المجتمعين فقد قلب طاولة اجتماع العشرين، وطاولة فيينا وطاولة الأسد والتحالف الروسى الإيرانى وطاولة التحالف السعودي الأمريكي، فضلا عن طاولة المخابرات الأوروبية جميعا خاصة بلجيكا وفرنسا وطاولة المهاجرين الذين ثبت أن أحد الإنتحاريين تسلل مع جموع اللاجئين، وقلب الطاولة يمكن أن يكون إيجابيًا للبعض وسلبيًا للبعض الآخر فبالنسبة للأسد وحلفائه فقد كان انقلاب الطاولة إيجابيا حيث صار تركيز الجميع على محاربة الإرهاب كأولوية مطلقة تأجيل الحديث عن مصير الأسد وهو ما كان يتمناه.أما بالنسبة لطاولة داعش فقد كانت هذه أسوأ عملية قامت بها على الإطلاق إذا غلق الباب على كل من تعود ان يستخدم عملياته سياسياً مثل أمريكا والسعودية أو قطر أو تركيا، فقد خانتهم داعش جميعا بالقيام بهذه العملية التي قامت بها لحسابها الخاص حتى لا تحسب على احد وكشفت أنه لا عهد لمثل هذه الجماعات ولا رؤية سياسية حقيقية ولا انتماء لمن أسسوها فى العراق ولمن مولوها من دول أرادوا أن يستغلوها، ويبدو أن هذه البلاد لا تتعلم لأنه حدث نفس الأمر مع القاعدة التى أسستها أمريكا لمحاربة الإتحاد السوفيتى فى أفغانستان ومولتها دول الخليج جميعا ومصر أيضا بل جاء وقت فيه دعت الدولة المصرية شعبها لتدعيم .المجاهدين الأفغان. بهدف دحر الشيوعية الملحدة، وقامت النقابات المهنية بجمع الاموال وأيد الازهر الدعوة وبقوة وقامت بعض كنائس مصر بالتبرع وبالطبع كان هذا مجاملة للدولة.
وأخيرا اكتشفنا مع أمريكا أن القاعدة لا مبدأ لها ولا ولاء ولا سياسة واضحة بل استخدام شعارات تثير عواطف دينية لتحقيق اهداف سياسية، ثم نكتشف أنهم عملاء للشيطان الأكبر ولشياطينه الأصغر وذلك عندما يكشفون عن وجوههم ويعلنون انهم ضد هذه الشياطين التى تستخدمهم فقد عاد المصريون الافغان ليغتالوا رئيس مجلس الشعب حينئذ د. رفعت المحجوب، وذهبت القاعدة حتى نيويورك ودمرت برجي التجارة العالمية وهاجموا وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) عام 2001، وهو ما تكرر بنفس التفاصيل مع داعش بكل وضوح فى عملية باريس.
والسؤال هو من كان يقصد بوتين بقوله "إن هناك دولًا من ضمن مجموعة العشرين تمول الإرهابيين؟" وإذا كان هذا هكذا فهل سينجح هؤلاء العشرون فى أن يتفقوا على كلمة سواء ويقضوا على الإرهاب ؟. وللإجابة على سؤال بوتين نقول: من ذا الذى سمح بولادة داعش وتمددها فى العراق وسوريا؟ من ذا الذى لم يرتعش له جفن عندما رأى الدولة الإسلامية تعلن عن قيامها، وسمح لها أن تستمر ولم يجهض هذا الكيان غداة إعلانه، بل تركه يستولى على كبار آبار النفط بل ويستثمره ليصبح دخله بمليارات الدولارات، إضافة لما نهبه من البنوك والمصارف بل وترك لهم مساحات شاسعة ليتحصنوا فيها بأمان ألم يدرك أنهم بهذه الأموال أغروا الشباب الأوروبى بمرتبات خرافية لكى يتركوا بلادهم ويأتوا للعمل تحت التنظيم فى وقت تنتشر فيه البطالة فى بلدانهم، بل جذبوا من يستطيعون استخدام التكنولوجيا بقدرات هائلة لإشاعة الخوف فى العالم من خلال محترفي التصوير السينمائى والتلفزيوني واستخدام الشبكة العنكبوتية بحرفية على أعلى مستوى ولقد خصصوا للإرهابيين الأوروبيين منازل خاصة، وقدموا لهم أجمل السبايا ولم يدفعوا بهم للخطر الشديد، وكان الإرهابيون العرب يحسون بالغيرة من اختلاف طريقة التعامل معهم عن الأجانب، وكل عملية يقوم بها داعش كانت تصور بتقنية عالية جدا وموسيقى تصويرية مثل فيلم ذبح المسيحيين فى ليبيا وإحراق الضابط الأردنى الكساسبة داخل قفص حديدي، وغير ذلك الكثير والسؤال الذي يطرح نفسه من أين اتتهم تلك القدرات الإدارية والاستراتيجية العسكرية؟
لقد كان لكبار ضباط الجيش العراقى الذى تم تسريحه بقرار امريكي الفضل الاول في وضع خطط حربية متقنة وتصميم عمليات ترويع أدخلت الرعب فى قلوب كل من يتصدى لداعش ومن الغريب أن الجميع ساعدوا فى ذلك فالإعلام المصرى واللبنانى والتونسى والسعودى وغيرهم استضافوا من يشرح ويفسر ويزيد ويعيد أن داعش جاءت نتيجة الأزمة الاقتصادية والفقر والجهل والتهميش والإحباط والظلم والإستبداد السياسى والخطاب الدينى .... إلى آخر هذه المنظومة البائسة التى تبرر الإرهاب، ولقد رأينا عكس كل ذلك فى داعش رأينا مبرمجى كمبيوتر على أعلى مستوى ومصوري تلفزيون محترفين، وأوروبيين لم يعانوا فقرا ولا جهلا ولا تهميشا ولا ضغوطا من أى نوع.
ما نحتاجه اليوم؛ وقد ظهرت بعض ملامحه، اتفاق العالم على حرب لا هوادة فيها ضد الإرهاب، إننا فى منحنى تاريخى عالمى لا يحد بمنطقة معينة، وبموازاة هذه الحرب نحتاج فى مصر وكل دول العالم العربي والاسلامي أن نقوم بإغلاق دكاكين التجارة بالدين التي تحض على رفض الآخر المختلف شيعيا كان أم سنياً مسيحيا أم يهوديا ، زيديا أم بهائيا ... إلخ نحتاج إلى فك أسر المساجد والكنائس والمدارس والجامعات والقنوات المحلية والفضائية من مدعى الدين الذين يقتاتون على التعصب ورفض الاخر والخرافات الدينية من تفسير الاحلام وإخراج الجان من بدن الانسان....الخ لقد صدمت عندما استمعت لفقهاء يرفضون تكفير داعش ولابد هنا أن أقول إني أرفض تكفير الآخر أو (حرمه) سواء للمختلف في الدين او المذهب و (الحرم) هنا هو التعبير المسيحى المعادل للتكفير ذلك لأن الإيمان علاقة فردية حرة بين العبد وربه، ولا يملك انسان ما سلطاناً للحكم على إنسان آخر لكني هنا اناقش الفكرة كشخص مهتم بالإسلاميات تاريخاً وفقهاً ولي دراسات عدة في هذا الشأن.
إن الفقهاء الذين رفضوا تكفير داعش استندوا إلى الحديث الذى يذكر عبارة الرسول الكريم لخالد بن الوليد الذى قتل أحد المقاتلين من أعداء المسلمين بعد سقوط سيفه ونطقه بالشهادتين بقوله "وهل شققت عن قلبه؟" أي كان على خالد ان يفترض صدق الرجل في توبته وإسلامه وبناء على ذلك ليس علينا ان نكفر الدواعش على أساس أن الداعشيين يتلون الشهادتين بشفاههم، ونحن لا نستطيع أن نعرف دواخلهم، والحقيقة ان القاتل في الحديث الذي امامنا قتل المسلمين قبل أن ينطق بالشهادتين ولو كان استمر في القتل بعد تلاوة الشهادتين لما وبخ الرسول الكريم خالد على قتله فقد كان على خالد ان ينتظر ليرى تصرفه بعد نطقه بالشهادتين، اما الدواعش- عزيزي القارئ -فهم ينطقون بالشهادتين اولاً ثم يقتلون الكساسبة.