هذا المقال بقلم مصطفى النجار، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN
يحلو للبعض اعتبار التدخل الروسى فى سوريا شرارة لحرب عالمية ثالثة قد تُدار بالوكالة أو بشكل مباشر بين الأقطاب العالمية المتصارعة وعقب إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية التى قالت تركيا أنها انتهكت أجواءها واخترقت سيادتها عاد الحديث مجددا عن احتمالية نشوب حرب كبرى تتوزع فيها الولاءات وتُبنى التحالفات لتعيد للأذهان المأساة التى عاشتها البشرية فى الحرب العالمية الأولى والثانية فى بدايات القرن العشرين.يرى البعض أن منطقة الشرق الأوسط لا تمثل وحدها بؤرة التوتر الوحيدة التى يمكن أن تكون البداية منها فهناك مناطق أخرى مثل أوكرانيا والهند وباكستان وغيرهم من المناطق التى تسبح فوق بحار احتقان سياسى وعسكري قابل للتحول لمواجهات مفتوحة، لكن تبقى منطقة الشرق الأوسط والمستنقع السوري النموذج البارز للحرب بالوكالة بين دول كبرى وقوى إقليمية تتصارع مصالحها.
الشكل التقليدي للحرب العالمية التى شهدها العالم فى بدايات القرن العشرين غير قابل للتكرار لأن ماكينة التقدم الحضارى وتحول العامل الاقتصادى إلى العامل الأول فى رضا الشعوب عن حكامها يقف حاجزا بين صانع القرار السياسى خاصة فى الدول الكبرى وبين جرأته على التورط فى حرب مفتوحة تتسبب فى استنزاف الاقتصاد وإنهاكه، لذلك فأغلب التدخلات العسكرية التى حدثت فى السنوات الماضية كانت بحثا عن مصالح اقتصادية جديدة أو تدخلات عسكرية مدفوعة الأجر مسبقا أو ضربات انتقامية محدودة كردود أفعال على حدث ما.
اليوم يواجه العالم عدوا جديدا هو الإرهاب الذي أخذ الصبغة العالمية وطالت يداه أغلب دول العالم، الإرهاب يضرب بلا تمييز، ولا يفرق بين المعسكرات الدولية المتضادة فقد ضرب تركيا كما ضرب روسيا وضرب السعودية ووصل لفرنسا مرورا بلبنان والعراق وغيرهما مما يجعل العالم يعيد النظر حول تعريف العدو المشترك وكيفية مواجهته.
الحرب العالمية الثالثة يجب أن تكون ضد الإرهاب لاقتلاع جذوره وتجفيف منابعه مع ملاحظة أن هناك ثلاثة مستويات للإرهاب ينبغى التعامل معها وهي أولا: إرهاب الأفراد وثانيا: إرهاب التنظيمات وثالثا: إرهاب الدول، وهذه المستويات الثلاثة من الإرهاب لا يمكن فصلها عن بعضها البعض لأنها تتلاقى وتتآزر لتصنع المشهد الدموى البغيض الذى صار كابوسا متكررا لكل سكان الأرض.
فى العقد الماضى تعامل العالم مع إرهاب التنظيمات فقط دون التعامل مع إرهاب الأفراد وبدون بحث كيفية تحول الشخص العادى إلى إرهابى ورأينا أثر ذلك فى انتشار ظاهرة الذئاب المنفردة التى يتحول فيها الشخص الواحد أو الفردين لتنظيم ارهابى مستقل وعشوائى مما يصعب ملاحقته الأمنية، كذلك سكت العالم عن الدول المصدرة للإرهاب وهي فى أغلبها دول ذات نظم سلطوية تمارس قمع مواطنيها والتمييز بينهم وتخلق عبر الديكتاتورية مناخا مهيئا لصناعة التطرف وتفريخ الإرهابيين وانتشارهم عبر ربوع العالم.
اليوم يدفع العالم ثمن ذلك ويحضرنا قول مارتن لوثر كينج حين قال (إن وجود الظلم في أی مكان يهدد العدل في كل مكان) ويمكن أن نضيف أنه يهدد الأمن فى كل مكان، بعض الدول الكبرى لم تكتف بالصمت على إرهاب الدول الموالية لها بل دعمت استمرار الاستبداد وتجاهلت أن الاستبداد هو نوع من الإرهاب وها هى اليوم تحصد ثمارا شديدة المرارة لما جنته أيديها.
الحرب العالمية الثالثة يجب أن تكون حربا إيجابية من أجل الإنسان، فهى حرب أخلاقية تُنحى لغة المصالح وأهواء السيطرة ورغبات الاستحواذ والتمدد وتستبدلها فى إرادة حازمة فى نشر السلام ومقاومة الكراهية وحل أسباب الصراعات بشكل جذرى، لن يمكن لدولة مهما كانت قوتها العسكرية ومواردها الاقتصادية أن تنعم بالأمن والاستقرار وهي تدعم أنظمة استبدادية بحثا عن المصالح التى ستنقلب لجحيم مضاد يوما ما.
ونحن نواجه الإرهاب يجب أن يتحول العالم الى كتلة واحدة رغم كل الخلافات الحادة، نحن الآن نشبه من ركبوا السفينة مع النبى نوح لينقذوا أنفسهم من الطوفان القاتل، هذا الطوفان يمثله اليوم الإرهاب، من سيرفض ركوب السفينة ويظن أنه بمنأى عن الغرق ستعصف به الأمواج وسيدفع عاقبة غروه.
يعود اليوم للأذهان مفهوم (السلام العالمى) الذى يعتبره البعض مدعاة للسخرية ويتهم من يتحدثون عنه بالمثالية الساذجة لكن الحقيقة أن السلام العالمى يبدأ من السلام الفردى لكل إنسان على وجه الأرض وإذا تحقق السلام الفردى للإنسان عبر حياة كريمة تُصان فيها كرامته وتُحفظ حقوقه ولا تنتهك آدميته ومعتقداته ويشعر فيها بتحقق المساواة والعدالة فإن السلام العالمى لن يصبح وهما ولا سببا للتندر والاستخفاف.
البشرية اليوم فى لحظة فارقة، إما أن تعود لثقافة المجتمعات البدائية وشريعة الغاب رغم ما وصلت إليه من مظاهر تحضر تكنولوجى وإما أن تختار ترسيخ القيم الإنسانية وتعظيم قيمة الإنسان أيا كان لونه ودينه وبلده لأن كل إنسان هو مواطن فى هذا الكوكب الذى يجمعنا وله نفس الحقوق التى يتمتع بها غيره.
الطريق لسعادة البشرية والانتصار على الارهاب وتحقيق الأمن يبدأ ببناء الانسان وخلق المناخ الملائم لتحقق إنسانيته وحمايته من خطر التطرف والإرهاب، هل ينتبه من يعتقدون أنهم صناع القرار العالمى أو شرطى العالم لهذا المأزق الذى قادتنا إليه معالجات خاطئة غلبت عليها الأنانية وتغليب المصلحة على حساب شعوب أخرى، اجعلوا الحرب العالمية الثالثة من أجل الإنسان.