عامر السبايلة يكتب لـ CNN.. "امتحانات مكافحة التطرف بين الشعارات المعلنة والوقائع المرعبة"

العالم
نشر
4 دقائق قراءة
تقرير عامر السبايلة
عامر السبايلة يكتب لـ CNN.. "امتحانات مكافحة التطرف بين الشعارات المعلنة والوقائع المرعبة"
Credit: Antoine Antoniol/Getty Images

هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرورة وجهة رأي شبكة CNN.

مع تعاظم الحديث عن ضرورة ايجاد استراتيجية موحدة لمكافحة الارهاب، تفرض كثير من الاسئلة نفسها خصوصاً حول شكل و اهداف مثل هذه الاستراتيجيات و قدرتها على معالجة اسباب المشكلة و عدم اقتصارها على التفريعات. و ان كانت كثير من الدول التي يفترض ان تكون جزء من هذه الاستراتيجيات قادرة على تقديم مساهمات ايجابية على الصعيد العملي، خصوصاً  أن الموضوع بات يتجاوز في مضمونه البعدين الامني و العسكري؟

 ان استراتيجية مكافحة الارهاب الحالية التي يشعر العالم بضرورة ولادتها يجب أن تُصاغ وفقاً لاستراتيجية حقيقية لمكافحة التطرف، و هذا يتطلب اعادة قراءة الماضي بشقيه التراثي و السياسي و يفرض تقديم تشخيص واقعي و عملي لهذه الظاهرة و نموها المستمر، خصوصاً في مراحل التوظيف الابرزالتي ظهرت مع نهاية الحرب العالمية الثانية.

أما الدول الراغبة باللحاق بركب التغيير فهي مضطرة لتقديم نموذج تجديدي حقيقي على الارض، فالقدرة على لعب اي دور دولي يتطلب انجاز ترتيبات داخلية قبل السعي للعب دور يتجاوز الحدود الجغرافية لهذه الدول، من اعادة صياغة المنظومة التعليمية الى ايجاد نظام مجتمعي متكافئ و تغليب معالم الحياة على معالم الموت المنتشرة في كثير من المجتمعات و كذلك تحرير العقل البشري من التابوهات السياسية و الدينية. لهذا لا يمكن لكثير من الدول أن تدعي مكافحة التطرف بينما هي فعلياً مطابخ لصناعة التطرف والفشل في الاندماج المجتمعي و تغييب العقل و غياب القيمة و الكرامة الانسانية و سيادةالاضطهاد و شريعة الغاب السياسي. كذلك لا يمكن ان تكون السياسات العبثية المبنية على عامل الصدفة التي تتسم بها كثير من الدول جزءاً من استراتيجيات علمية و عملية مبنية على البحث و الدراسة و التحليل، فمشكلة اوروبا اليوم ، على سبيل المثال، تختلف في جوهرها تماماً عن مشاكل كثير من الدول العربية حتى في ما يتعلق بظواهر التطرف و الارهاب، لهذا عن اي شراكة يمكن الحديث هنا؟

يجب على كثير من الدول اعادة النظر بالواقع الذي تمر به بطريقة علمية، خصوصاً الدول التي تعتقد أنها تملك ادوات فكرية و دينية قادرة على مواجهة التطرف بينما تغض الطرف عن اشارات خطيرة تثبت ان ادوات مواجهة التطرف هذه هي في جوهرها ادوات متطرفة. كذلك من الخطأ الركون لمسألة تقديم الخدمات الامنية او العسكرية فهذه لا يمكن ان تشكل بنية للتعاون المستمر خصوصاً أن سرطان التطرف بات ينخر في كافة تركيبات المجتمع بما فيها المؤسسات الامنية و العسكرية لبعض الدول.

 للاسف تفتقر كثير من الدول الى اي رؤية حقيقية لاحداث تغيير ثقافي و مجتمعي، لا بل ان الايام تثبت أن معظم هذه الانظمة تُقاد و تُدار بشكل واضح من قبل فئتين، الاولى متطرفة ترفض الاخر و تعزز نظرية المؤامرة  و تساهم بتلويث الفكر و غياب الثقافة، و الثانية فئة انتهازية لا تملك اي رؤية مستقبلية  لمواجهة القادم و تفتقر أيضاً  لاي قدرة او جرأة على مواجهة سرطان التطرف او حتى التعامل مع حالة الفشل الاداري و خطر تفكك الدولة.

التطرف المستشري لا يمكن ان يواجه الا باجندة عمل واضحة تأخذ من الثورة الثقافية أساساً، وتعمل جاهدة على اعطاء الانسان شعوراً بانسانيته و احترام كرامته و عقله، و يخطاً من يظن ان هذا يمكن ان يتم بالكلام و المؤتمرات و القاء الخطب الرنانة و ترديد نفس الشعارات في أغلب المناسبات. المطلوب مشروع تنويري يتم فرضه و تنفيذه و متابعة تفاصيله بجرأة ضمن رؤية و أهداف واضحة. لهذا من يريد ان يقدم نموذجاً تنويرياً حقيقياً و يستثمر في المستقبل لابد ان يأخذ خطوات على الارض بعيداً عن الكلمات و الشعارات.