إتفاقية باريس لتغير المناخ.. هل هي بداية النهاية لحقبة النفط؟

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير محمد عبدالرءوف
إتفاقية باريس لتغير المناخ.. هل هي بداية النهاية لحقبة النفط؟
عمال يقومون بتفكيك المكان الذي استضاف مؤتمر COP 21 بشأن تغير المناخ في باريسCredit: ADRIEN MORLENT/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم د. محمد عبد الرءوف، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

إتفاق تاريخي وطموح يلزم جميع دول العالم بخفض الانبعاثات، ومكافحة تغير المناخ ويطلق العنان للإستثمار الأخضر ويدفع نحو التحول للإقتصاد منخفض الكربون ومستقبل مستدام هو ما توصلت له 195 دولة في إجتماع الأطراف الحادي عشر COP21 في باريس في 12 من ديسمبر 2015.

في الواقع، فإن اتفاقية باريس لتغير المناخ ستساعد في الحفاظ على التنمية المستدامة على الطريق الصحيح وتعمل على تحقيق هدف التنمية المستدامة (SDG13) الثالث عشر "اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ وآثاره". وقد اعتمدت اهداف التنمية المستدامة مؤخرا من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل مكافحة الفقر وعدم المساواة والقضاء علي المشكلات البيئية، فضلا عن العمل من أجل نشر السلام والرخاء.

وإتفاق باريس هو الأول من نوعه الذي يهدف لحث جميع دول العالم للحد من إنبعاثات الكربون. والإتفاقية بحد ذاتها تشمل جزءاً الزامياً وأخر طوعي. حيث أن بعض جوانب الإتفاق ملزم قانونا، مثل تحديد وتقديم هدف لخفض الانبعاثات وكذا المراجعة الدورية لهذا الهدف. ومع ذلك، فإن الأهداف التي حددتها الدول غير ملزمة.

اقرأ أيضا.. تحليل.. ما هو الدور الخفي الذي تلعبه إيران في لعبة أسعار النفط؟

وفي الحقيقة فإن الدول والمجموعات الرئيسية، بما في ذلك مجموعة دول G77 من البلدان النامية، والمجموعة العربية والدول النفطية، والصين، والهند وروسيا رحبوا بالاتفاق ووصفوه بأنه طموح ومتوازن ويراعي الظروف الداخلية في كل دولة. كما أنه ولأول مرة، فإن الولايات المتحدة وكندا إنضمتا أيضاً لهذا الإتفاق.

وهناك أمران هامان لهذا الإتفاق هما.

.الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الارض "بأقل من درجتين مئويتين وبذل المزيد من الجهود من أجل أن لا يتعدي الإرتفاع درجة ونصف فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

.وفيما يخص التمويل للمناخ، إقرار مبلغ 100 مليار $ سنويا للبلدان النامية بحلول عام 2020، مع الالتزام بالمزيد من التمويل في المستقبل. وهذا يعني أن لا تساهم الدول النامية بأية مبالغ نقدية، وإنما الدول المتقدمة هي من ستتحمل الفاتورة.

ماذا يعني هذا الاتفاق بالنسبة للنفط؟

هذا الاتفاق يرسل إشارة قوية بأن العالم ملتزم تماماً بمستقبل منخفض الكربون وأن الانتقال إلى الإقتصاد الأخضر بات امراً لا مفر منه. وبعبارة أخرى، فإنه يرسل إشارات قوية إلى الأسواق المالية وأسواق الطاقة العالمية، مما يدفعها إلى تحول جذري بعيداً عن الاستثمار في الفحم والنفط والغاز كمصادر للطاقة الأولية ويدفعها نحو الاستثمار في مصادر الطاقة منخفضة الكربون مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية.

وإذا وضعنا في الإعتبار ما نص عليه إتفاق باريس للمناخ بأنه سيكون هناك مراجعات دورية كل خمس سنوات، فذلك سيشجع على التعاون العالمي لإيجاد حلول تكنولوجية لخفض الإنبعاثات في مجالات الطاقة وغيرها.

ولمفاوضات تغير المناخ بباريس أهمية خاصة للدول النفطية نتيجة لعلاقتها بالوقود الأحفوري خاصة في الدول التي تعتمد علي النفط كمصدر رئيسي للدخل. فغالبية قطاعات الصناعة والطاقة والزراعة والسياحة عالمياً تعتمد بصورة شبه كلية على الوقود الأحفوري، ونتيجة لذلك تولد نسبة كبيرة من إنبعاثات غازات الدفيئة. ولذلك، فان أي إجراءات تتخذ في هذا الصدد في الدول التي تتبنى قوانين لخفض الإنبعاثات لتنفيذ إتفاقية باريس بشأن تغير المناخ قد تؤثر على الطلب على الوقود الأحفوري وهو المصدر الأساسي لإنبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو ما سيؤدي بالتبعية الي تضرر إقتصاديات الدول البترولية. فإتفاقية تغير المناخ تعتبر تحدياً كبيراً بالنسبة لهذه الدول.

ولكن من ناحية أخرى، إتفاق باريس لتغير المناخ يمثل فرصة كبيرة للدول النفطية كدول مجلس التعاون الخليجي حيث بلا شك سيدفعها لتسريع عملية تنويع إقتصاداتها وكذا مصادر الطاقة وبخاصة الإستثمار أكثر في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة خصوصا الطاقة الشمسية.

كذلك.. بالفيديو.. جهود في الإمارات للاستفادة من الطاقة الشمسية نهارا.. وليلا أيضا

هذا إذا أخذنا في الإعتبار أن العالم ليس متأكد متي سوف ينضب النفط والغاز، ولكن من المرجح أن يستمرا لفترة أطول بكثير من معظم التوقعات. فشركات إستخراج وإنتاج البترول تستخرج المزيد من الخام من القشرة الأرضية بمناطق غير تقليدية وبأعماق كبيرة عما سبق بهدف الوصول للمزيد من المخزونات النفطية. بطبيعة الحال في نهاية المطاف هذا سوف يصبح غير مجد إقتصاديا خاصة أن تكاليف الوحدة من أشكال الطاقة المتجددة الأخرى تنخفض بشدة.

ومع ذلك، فإن الكاتب يرى أن النفط والغاز لا يزال، وسيظل على الأقل، في المدى المتوسط (من 15 الي-20 عاماً) سيكونا من المصادر الرئيسية في حصة الطاقة على الصعيد العالمي. فحالياً، على الصعيد العالمي، وطبقا لوكالة الطاقة الدولية يمثل النفط والغاز حوالي 53٪ من إجمالي إمدادات الطاقة الأولية. هذا يعني ان هناك فرصة كافية من الوقت امام الدول النفطية من اجل التحول للاقتصاد الاخضر الذي يعتمد علي مصادر طاقة متجددة.

لذلك، باختصار، نعم، إتفاق باريس يمثل تحدياً حقيقياً للدول النفطية بصفة عامة لكن في نفس الوقت هو فرصة حقيقية لهذه الدول من اجل التعاون مع جميع الشركاء، محلياً، إقليمياً وعالمياً في مجال نقل التكنولوجيا والإستثمار في الطاقة المتجددة وكذلك الإستفادة من العديد من الفرص السانحة للتمويل المتاحة من خلال إتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.