تقرير: حمزة عتبي
الجزائر (CNN)— خاض رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بالنيابة بالجزائر"بول ديفارج" في ملف مقتل رهبان تبحرين برفق شديد، دون أن يكون حازما في الفصل في مواقف الكنيسة حول الموضوع، نظرا لحساسية الملف الذي لازال التحقيق جاريا حوله، معتبرا أن تزامن احتفالات المسلمين بالمولد النبوي الشريف، مع احتفالات المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، فرصة لإشاعة الرحمة بين الناس.
قضية رهبان تبحرين، تعود إلى ليلتي 26 و27 آذار/مارس 1996 بولاية المدية جنوب الجزائر، إبان العشرية السوداء، وذلك عندما قُتل سبعة رهبان في دير يقع جنوب الجزائر العاصمة بـ100 كيلمتر، وقد تبنت العملية حينئذ الجماعة الإسلامية المسلحة حسب الرواية الرسمية، غير أن القضاء الفرنسي فتح تحقيقًا في الحادث، وطلب نبش قبورهم والاستماع إلى الشهود.
ويشغل بول ديفارج، المولود بفرنسا والحاصل على الجنسية الجزائرية سنة 82 ، منصب رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في الجزائر بالنيابة خلفا للمطران "غالب بدر" الذي تم تحويله إلى باكستان، وكان ديفارج البالغ من العمر 71 سنة أسقفا على أبرشية قسنطينة، وعمل أيضا أستاذا بجامعة قسنطينة في قسم علم النفس.
وفي كل مرة، كان يتحاشى ديفارج، في حوار خاص أجرته معه CNN بالعربية في مقرّ كنيسة القديس منصور بالجزائر، بمناسبة احتفالات رأس السنة، الحديث عن الجهة التي كانت سببا في مقتل الرهبان، وكان يكتفي بالقول "نحن كباقي الناس نقرأ ما ينشر في الجرائد حول قضية مقتل الرهبان"، ليعود مرة أخرى ويقول "بالنسبة إلينا، فإن الرهبان تمت تصفيتهم من طرف جماعات إرهابية".
وتابع ديفارج حديثه قائلا "التحقيق جار وليس من مسؤوليتنا، نحن ننتظر نتائج التحقيق"، وأضاف "مهما تكن نتائج التحقيق، ومهما كانت أسباب وفاتهم، فإن ذلك لا يغير شيء من رسالة الرهبان، فرسالتهم تفوق كل الظروف، وتتجاوز ظروف وفاتهم"، وتابع حديثه عن التسامح "كتب "كريستيان دو شرجي" (احد الرهبان المقتولين) عام قبل مقتله، في وصاياه، إنه يسامح كل من يقتل، فنحن لا يمكن أن نحيد عن طريق التسامح، فمهما كانت النتائج نطلب من الله أن يمدنا قوة الغفران".
وفي معرض حديثه عن خصال الرهبان المقتولين، قال ديفارج "رهبان تبحرين بقوا أوفياء للمنطقة، ولم يغادروها رغم تدهور الوضع الأمني في تلك الفترة"، وأردف قائلا "الرهبان كانوا يعيشون بسلام مع أهالي المنطقة وكانت بينهم علاقات محبة"، وان "الرهبان قرروا البقاء مع من يعانون، مهما كانت النتيجة ولو كان ذلك على حساب أرواحهم".
وعن دير تبحيرين الذي قتل فيه الرهبان السبعة، أكد محدثنا أن "الدير مفتوح ولم يتوقف عن النشاط، ولازال المسيحيون يقومون بزيارات دورية إلى الدير"، مبديا حرصه على "مواصلة دير تبحيرين مهمته كما كان من قبل في وقت الرهبان المقتولين، ولا يجب أن يتوقف".
وحول من يخلف رهبان تبحيرين، أفاد بول ديفارج "انه سيتم مستقبلا جلب رهبان جدد إلى الدير لمواصلة مهمة الرهبان السبعة"، كاشفا لـ CNN بالعربية عن المشروع الجديد الذي يهدف حسبه إلى "إعادة بعث روح تبحيرين عبر جلب رهبان جدد ومواصلة مهمة الرهبان المقتولين"، وأضاف في سياق الموضوع انه "سيتم برمجة احتفالات بمناسبة مرور 20 سنة عن مقتل الرهبان في شهر أفريل من العام القادم"
واسترسل ديفارج في الموضوع ذاته "الكنيسة ستواصل مهمتها في دير تبحرين، لأن الكنيسة لا تتوقف عند مقتل الرهبان"، مؤكدا بأن الرهبان " ماتوا أوفياء لرسالتهم وشاركوا الشعب الجزائري محنته".
وفي سياق آخر ، تطرق رئيس الأساقفة بالجزائر إلى أوضاع المسيحيين الكاثوليك بالجزائر قائلا "إلى حد ما، وضع المسيحيين الجزائريين مريح وطيب"، وعن الفئات التي تعتنق هذه الديانة، أشار ديفارج إلى أن "الأغلبية الساحقة هم أجانب، منهم الطلبة الأفارقة الذين يؤدون الصلاة معنا ويعيشون إيمانهم بكل سلام، وأيضا يوجد بعض المهاجرين الذين قدموا من الخارج، إلى جانب كل هذا توجد أقلية صغيرة من الكاثوليك الجزائريين".
وحول نظرة المجتمع الجزائري لهم، قال محدثنا إنهم: "يعيشون إيمانهم ليس في الخفاء ولا في العلن، فعلى المستوى الرسمي لا يوجد مشاكل، ولكن على مستوى المجتمع بعض المسيحيين الجزائريين مقبولين والبعض الأخر مرفوضين، فبالنسبة للمسلم العادي لا يتقبل أن يكون احد أفراد عائلته مسيحي"، مستدركا قوله " مع مرور الزمن سيتم قبول هؤلاء المسيحيين في المجتمع الجزائري".
وواصل ديفارج حديثه "على المستوى الرسمي فالدولة تنظر إلى المسيحيين الجزائريين بنظرة ايجابية"، مضيفًا: "هناك مجهودات من طرف الدولة ترمي إلى تهيئة كل الظروف اللازمة ليمارس المسيحيون ديانتهم"، مدعما كلامه بتصريح سابق لوزير الشؤون الدينية الجزائري محمد عيسى الذي قال: "أنا وزير لكل الديانات وليس وزير الدين الإسلامي فقط".
وعن الدعم الذي تلقاه الكنيسة وتمويل نشاطاتها، أشار ديفارج إلى عدم وجود دعم مادي من طرف الدولة، وقال: "نحن نعيش على مساعدات المؤمنين وبعض المؤسسات والأشخاص من الخارج، إلى جانب الدعم الذي نتلقاه من دولة الفاتيكان عبر مؤسسة لمساعدة الكنائس".