تقرير: حمزة عتبي
شيّع الجزائريون، يوم الجمعة، الأول من جانفي/ كانون الثاني 2016، آخر صناع الثورة التحريرية، حسين آيت احمد، المناضل الذي قاتل ضد الاستعمار الفرنسي، ووقف بعد استقلال الجزائر في وجه النظام.. هذا الرجل الذي ورّث إرثا تاريخيا وسياسيا، رحل حاملا معه مشروعا ظل يناضل من أجله طيلة حياته وهو إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، كما نص على ذلك بيان أول نوفمبر، بيد أن هذا الحلم لم يتمكن الراحل آيت أحمد من تحقيقه بعد الاستقلال .
فغداة الاستقلال، انقسم إخوة الأمس ودخلوا في صراع، وصل حد المواجهة بالسلاح، وألقى الصراع بضلاله على المجتمع الجزائري بين مؤيد للنظام ومقاتل معه، ومعارض له مقاتل ضده، وامتدت هذه الأحداث من 29 سبتمبر/ أيلول 1963 إلى غاية 16 جوان/ حزيران 1965 تاريخ الاتفاق التاريخي بين حزب القوى الاشتراكية وحزب جبهة التحرير الوطني .
وحسب شهادات متطابقة لمن عايشوا تلك الفترة، فإن تلك الأحداث أودت بحياة ما يقارب 500 شخص من مناضلي حزب القوى الاشتراكية بزعامة حسين آيت احمد والذي شكّل وقتها جيشا قدره 13 ألف جندي من أنصار الحرية والديمقراطية حسب اعتقاده، ومتمردين على الدولة في نظر معارضيه آنذاك.
ومنذ ذلك الوقت، تصدّر مطلب الاعتراف بشهداء ومناضلي 1963 قائمة أولويات حزب جبهة القوى الاشتراكية، إلى غاية اليوم، فقد تم طرح الملف على مستوى البرلمان في العديد من المرات كان أولها سنة 1988 والثانية في سنة 1993. أما المرة الأخيرة فكانت في سنة 2013، إلا أن كل محاولات الحزب باءت بالفشل بسبب المعارضة الشديدة للأغلبية البرلمانية.
تعرّف على حسين آيت أحمد: رحيل الدا حسين.. زعيم الاشتراكيين الجزائريين وأحد أشهر مقاومي الاستعمار الفرنسي
ونصّت مواد مشروع القانون الذي تقدم به حزب القوى الاشتراكية في سنة 2013، على ضرورة اعتراف الدولة بضحايا تلك المرحلة بصفتهم شهداء الواجب، وتنصيب لجنة وطنية لإحصاء الضحايا، ومنح تعويضات للمعطوبين حسب نسبة العجز، وتعويض المعتقلين وضحايا التعذيب وإعادة الأملاك العقارية المصادرة.
وعبّر أحمد بطاطاش، النائب عن حزب القوى الاشتراكية عن إصرار الحزب على مطلب " إعادة الاعتبار لشهداء 1963 الذي تم رفضه على مستوى المجلس الشعبي الوطني، بعدما قدمنا مقترحا في سبتمبر/أيلول 2013 ". ويرى بطاطاش في حديثه لـ CNN بالعربية بأن أفضل جميل يمكن أن يقدم لحسين آيت أحمد بعد وفاته هو: " الاعتراف برفاقه الذي سقطوا ضحايا من أجل تلك المبادئ التي كان يناضل من اجلها".
وبسبب هذا الملف، قدمت مجموعة من مناضلي الحزب وبعض أبناء شهداء تلك الأحداث، في سنة 2012، استقالتهم من الحزب، احتجاجا على تقصير القيادة في طرح الملف بشكل جدي، وقام هؤلاء المنشقون بتشكيل حركة وطنية تحت مسمى "المنتدى الاشتراكي من أجل الحرية والديمقراطية".
وحسب الناطق الرسمي لهذا التنظيم ، النائب البرلماني خالد تزغارت، فإنهم يطالبون "رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم لرد الاعتبار للشهداء والمجاهدين وتعويضهم وإعطاءهم حقوقهم المادية والمعنوية"، وقال تزغارت لـ CNN بالعربية إن "عدم اهتمام القيادة الحالية بعد آيت أحمد بالملف وتخليها عنه، جعلهم يقرّرون الاستقالة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2012".
وأكد كريم طابو السكرتير الأول الأسبق لحزب جبهة القوى الاشتراكية لـ CNN بالعربية "أن أحسن رد اعتبار للراحل هو تجسيد المبادئ التي كان يناضل من أجلها، وهو الرجوع إلى الديمقراطية وتجسيد دولة القانون"، مضيفا: " يجب أولا الذهاب إلى مصالحة حقيقية وليس مصالحة سياسية ".
وخلال مراسيم تشييع جنازة الراحل حسين آيت احمد، اقتربت CNN بالعربية ممن شاركوا في تلك الأحداث، على غرار، "قرنانو محمد" المدعو حسين، صاحب 83 عاما، الذي انخرط في حرب التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، سنة 56، وشارك في أحداث 63 مع زعيمه آيت احمد.
وقال قرنانو بصوت عال يعبر عن الحسرة " نطلب من الحكومة إعطاءنا حقوقنا مثلما استفاد مجاهدو حرب التحرير. لم نستفد من أي منحة، لا منحة مجاهدي ثورة 54 ولا منحة أحداث 63 "، مرجعا سبب ذلك إلى "مشاركتنا في أحداث 63 مع آيت احمد منعتنا من الاستفادة من منحة المجاهدين".
وبنبرة تحمل الكثير من الغضب، أفاد قرنانو: "لا توجد لدينا أي حقوق، نحن محتقرين، محتقرين، محتقرين"، وواصل كلامه قائلا "نطلب من الدولة رد الاعتبار المعنوي، على الأقل، تسمية الشوارع بأحد أسماء الشهداء"
أما رفيقه في الدرب، عبد الرحمن أمحند، 81 سنة، أوضح لـ CNN بالعربية أن "الدولة لا تريد الاعتراف بنا مع أننا وضعنا ملفات، فقد تم رفضها، في العديد من المرات، على مستوى الإدارات المعنية بسبب مشاركتنا في أحداث 63 "، وقال عبد الرحمن أيضا "نحن لا نطلب الاغتناء من هذه المنحة، بل نريد الديمقراطية ودولة القانون التي ناضل من اجلها آيت احمد".
ومهما كانت نتائج أحداث 1963 وما خلفته من تراكمات وتركة تحمل الكثير من المآسي، إلا أنها تبقى محطة هامة من محطات تاريخ الجزائر الحديث، التي لا يمكن القفز عليها، لذلك تتطلع هذه الفئة من الجزائريين أن يُرد لها الاعتبار وتعترف الدولة بشهداء الديمقراطية كأقل شيء لرد الجميل لحسين آيت احمد.