تقرير: منية غانمي
ليبيا (CNN)-- أن تكون ملحدا في ليبيا، يعني أن تعيش حياتا محفوفة بالمخاطر، فعلاوة على أنك ملزم على ممارسة معتقدك بسرية وعدم المجاهرة به علانية خوفا من ردة فعل من حولك، فأنت في مجتمع لا يقبل أبدا بوجود ملحدين داخله.
ما يُعرف عن المجتمع الليبي هو كونه مجتمع محافظ ومسلم ومن أكثر المجتمعات على الأرض تجانسا و حبا لدينه، فهو خط أحمر لا يستطيع أحد أن يتخطاه، كما أن الشعب الليبي يتحلى بالتسامح تجاه أصحاب المعتقدات الأخرى، لكن قصة جابر الطاهر جاءت لتكذب هذا المتداول والمتعارف وتكشف واقعا جديدا.
لم يكن من السهل علينا إقناع جابر بالتحدث عن تجربته لـCNN بالعربية، فهو لا يزال متكتّما على إلحاده ويخشى الإفصاح عنه أو المجاهرة به حتى داخل عائلته، لأنه ليس من السهل عليه كما يروي إعلان تبرئه من دينه أو إنكاره مخافة من وصمة اجتماعية قد تلاحقه طوال حياته، كفقدان أصدقائه أو نبذه من عائلته وربما استحالة الارتباط بفتاة أحلامه وتكوين عائلة، لكن وعدنا له بإخفاء هويته واستعمال اسم مستعار شجعّه على سرد قصته.
يبلغ من العمر 26 سنة، مولود في بنغازي من عائلة محافظة، يعيش الآن في طرابلس التي انتقل إليها للدراسة ثم العمل، لا يؤمن بوجود الله منذ أن كان في سن التاسعة عشر، وصل إلى معتقداته الحالية بعد عدة دراسات للدين الإسلامي كوّنت لديه نظرة نقدية تجاه هذا الدين ليتخذ بعدها قرارا بأن لا يؤمن بأي إله.
رغم أنه لا توجد إحصائيّات دقيقة بخصوص عدد الملحدين في ليبيا، لكن جابر كشف أن عددهم في تزايد مستمر :" أعرف كثيرا من الشباب اختار أن لا يؤمن بأي إله، عددهم ليس بالقليل كما يعتقد البعض، هم موجودون في كل مكان لكن لا تعرف من مظهرهم أنهم ملحدين لأنهم يتظاهرون بالصيام والاحتفال بالأعياد الدينية وترديد آيات القرآن خوفا من ردة فعل من حولهم فقط".
وأضاف أنه في مجتمع مثل المجتمع الليبي، أنت مجبر على إخفاء معتقدك والعيش وفقا لطبيعته المحافظة وحتى وإن كنت غير مقتنع بها : بلدنا ليس البيئة المناسبة لممارسة المعتقدات بحرية، هنا الكل مكبّل بقيود، لا ينظر إلى اعتناق الفكر اللاديني كونه يدخل ضمن حرية الاعتقاد، بل يعتبر ذلك تمرّدا على المجتمع وتهديدا لوحدته".
وخلّص إلى أن نظرة الناس للملحدين كفيلة بأن تدفعهم للإبقاء على سرية معتقداتهم وعدم البوح بها لأحد، فاكتشاف أمرهم قد يتسبّب في أخف الأضرار بقطع العلاقات العائلية والصداقات، مضيفا أنه مع تنامي التطرف الديني في كل مكان وتزايد نفوذ داعش، تصبح حياة الملحد معرضة لتهديدات قد تصل إلى القتل.
واعترف بأنه قلق مما سيحدث حين يكتشف والداه انسلاخه عن الدين، فهو يتعامل معهم إلى حد الآن بهدوء لسبب أن عائلته محافظة جدّا ولو علمت بالحاده ربما تطرده من المنزل وتتبرأ منه: " الإسلام هنا بالوراثة كل من يولد لعائلة مسلمة يجب أن يكون مسلما مثلهم ولا يسمح له أن يغير أو يخرج عن دينه لو قرّر ذلك، لا أعتقد أن عائلتي ستتفهم قراري لذلك لا أريد المخاطرة بإخبارهم، فأنا بحاجة إليهم ولست مستعدا لخسارتهم ".
وعن فرص تواصله مع باقي الملحدين أرجع جابر الفضل إلى التكنولوجيا الحديثة التي سمحت له بالتواصل بأمان معهم، موضحا أن مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة والتي تتيح له عدم الكشف عن هويته، وجد فيها مساحات كبيرة من الحرية للتعبير عن نفسه وتبادل آرائه ووجهة نظره مع أمثاله من الملحدين وكذلك غير الملحدين، بعيدا عن القيود التي تفرضها الأعراف الدينية والاجتماعية.
وتحتوي المواقع الاجتماعية فيسبوك وتويتر ويوتيوب فضلا عن المدونات، العديد من الصفحات الخاصة بالملحدين تضم آلاف المتابعين من كل الأعمار والأجناس والبلدان ومن أهمها "شبكة الملحدين العرب " التي يتابعها حوالي 23 ألف شخص، وتطرح للنقاش خاصة المواضيع ذات الصبغة الدينية.
وبخصوص ما إذا أصبح الإلحاد في ليبيا ظاهرة اجتماعية أم هو مجرّد حالات فردية، قالت الناشطة الاجتماعية مفيدة الجروشي، إن هذا الفكر بدأ يتحسس طريقه في بلدها ولكنه ليس بالظاهرة الملفتة للانتباه، مبينة أن مسألة الإلحاد تعتبر من الممنوعات في المجتمع الليبي الذي كأغلب المجتمعات العربية والإسلامية لا يتقبل فكرة وجود ملحدين بين صفوفه، وهو ما جعلهم يعيشون حياتهم في السر.
و اعتبرت أن أهم أسباب إقدام بعض الشباب على الإلحاد يعود إلى تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية لصورة الإسلام من خلال تطبيق مفهوم خاطئ للإسلام، والترويج على أن العنف والقتل من تعاليم الإسلام، مضيفة كذلك أن الهوة العميقة بين القيم التي نادى بها الإسلام والقيم السائدة في المجتمع المعتنق لهذا الدين، تجعل من الشاب يعيش صراعا داخليا ينتهي به إلى إنكار دينه.
وأضافت لـCNN بالعربية، أن أنظمة الحكم خاصة في البلدان العربية أساءت في بعض الأحيان استعمال الدين وحاربت المتدينين، ممّا تسبب في ردة فعل عكسية لدى البعض استغلتها خاصة المواقع الالكترونية المختصة في الترويج للإلحاد ونجحت في جذب العديد من الشباب والتأثير عليهم بسهولة عبر خطابات ومناشير وأشرطة فيديو مستغلة في ذلك الاضمحلال الثقافي لهم وقلة الوعي الديني.