تقرير: حمزة عتبي
الجزائر (CNN)-- رغم اشتماله على 110 تعديل و33 مادة جديدة، إلا أن المشروع التمهيدي للدستور الجزائري، الذي أعلن عنه يوم الثلاثاء 5 يناير/ كانون الثاني، مدير ديوان رئاسة الجمهورية، أحمد اويحي، لم يُرض أحزاب المعارضة التي وجهت سهام انتقاداتها للسلطة، معتبرة أن الحديث عن التحاق الجزائر بركب الدول الديمقراطية لازال مؤجلا، في حين رحبت أحزاب الموالاة بما جاء به المشروع من تعديلات.
وعبّر الناطق الرسمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر حزب موالي للسلطة، صديق شهاب، عن ارتياحه لما ورد في المشروع قائلا إنه "يتجاوب مع تطلعات جميع الجزائريات والجزائريين، باعتباره يرتقي بالديمقراطية في الجزائر إلى مصاف الديمقراطيات المتقدمة".
وفي تصريحات إعلامية سابقة، كشف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يريد من خلال المشروع الجديد "تأسيس الجمهورية الثانية وإنهاء مرحلة الشرعية الثورية وبناء دولة مؤسسات قوية، من خلال الإصلاحات الجوهرية العميقة التي يتضمنها الدستور الجديد".
في الضفة الأخرى، تطابقت مآخذ أحزاب المعارضة على مشروع الدستور، في عدم إدراج مطلبها المتمثل في تشكيل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، حيث أشارت حركة مجتمع السلم في بيان لها أن أحد مطالب المعارضة الرئيسية "لم تؤخذ بعين الاعتبار"، فالمشروع "لم يتضمن مثلا مقترح الطبقة السياسية المتعلق بدسترة اللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات ".
بدورها، اعتبرت حركة النهضة رفض دسترة الهيئة الوطنية للإشراف على الانتخابات وتمييعها بهيئة لمراقبة الانتخابات "مغالطة كبرى من قبل السلطة"، وفي ذلك -تضيف النهضة- "نية مبيتة من طرف السلطة القائمة بالاستمرار على نهج التزوير للبقاء في الحكم دون سيادة الشعب."
أما حزب طلائع الحريات الذي يرأسه رئيس الحكومة الأسبق، والمرشح المنافس لبوتفليقة في رئاسيات 2014، علي بن فليس، فبين أن "مصدر الداء الذي ابتلي به الوطن لا يكمن في دستوره و إنما في منظومته السياسية كاملة وهي المنظومة التي تبيح لنفسها تقديس الدستور أو اغتصابه متى شاءت و متى رأت في ذلك منفعة لها".
وخلال ندوة صحفية، أحصى رئيس حزب العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، أكثر من 100 تحفظ على المشروع الجديد، معتبرا أنه "لم يوضع لإقامة الدولة التي حلم بها المجاهدون وضحى من أجلها الشهداء وناضل لأجلها التيار الإسلامي، وإنما أسس لدولة الاستبداد"، مطالبا النظام الحالي بـ "توقيف هذه المهزلة الكبيرة، والتجاوب بايجابية مع مطالب المعارضة في تأجيل النظر في الدستور إلى حين توفير شروط الذهاب إلى انتخابات قانونية حرة ونزيهة".
كما انتقد الوزير المنتدب للخزينة سابقا، علي بن واري، المشروع الجديد للدستور مؤكدا أن " التعديل تم تحضيره في الضبابية التامة من طرف مجموعة "مافيوية"، تريد أن تبقى تحكم في ظَل نظام فاشل وفاسد"، وأضاف "لم يأت مشروع تعديل الدستور بأي شيء جديد ما عدا إقصاء المعارضين" في إشارة إلى المادة إلى المادة 73 التي تقصي مزدوجي الجنسية من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
ومن وجهة نظر فقهاء القانون، يرى الدكتور يحي عبد الحميد أستاذ القانون الدستوري، في حديثه لـ CNN بالعربية أن "أهم ما جاء في مسودة هذا التعديل الدستوري هو تقييد فترة الرئاسة بعهدتين كأقصى مدة، وكذلك إقرار حق المعارضة في إخطار المجلس الدستوري"، مستدركا كلامه قائلا "الحديث عن التحاق الجزائر بنادي الدول الديمقراطية ما زال مؤجلا"،
ولأجل تحقيق وثبة دستورية نحو الارتقاء بالديمقراطية في رأي الدكتور يحي، يجب إقرار ثلاث مسائل هامة "أولها الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي والثانية إنشاء محكمة دستورية تراقب دستورية القوانين وإلغاء المجلس الدستوري لأنه مجرد هيئة رقابية لا تصدر أحكاما بل تبدى آراء، أما المسألة الثالثة فهي ضرورة إنشاء جهاز مستقل للرقابة على سير الانتخابات".
من جهته، أكد الأستاذ بافضل محمد بلخير باحث في القانون، في اتصال هاتفي مع CNN بالعربية، أن مشروع الدستور المرتقب "يظهر أن هنالك تجسيدًا للممارسة الديمقراطية وهو المقصود بإظهاره من خلال التداول على السلطة عبر تحديد العهدة الرئاسية" .
وأضاف محدثنا، أن دسترة هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات يوحي بأن "القوى التي عايشت كل الرهانات التاريخية الانتخابية السابقة تريد تغيير صورة الانتخابات عبر إعطائها طابع استقلالي أكثر و شرعي وضمان الحيادية والعمل بعيداً عن الضغوطات الإدارية".
وبين مهلل لما طرحته السلطة من مقترحات لتعديل دستور الجزائر ورافض لها، يرى مختصون في علم الاجتماع، أن مشكلة البلد لا تكمن في النصوص القانونية وإنما في احترامها، وفي هذا الصدد يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر علي شبيطة أن "الجزائريين فقدوا كامل ثقتهم في السلطة، بسبب ما حصل من خروقات للدستور الحالي، ومختلف القوانين".
ويعزو شبيطة، في حديث مع الـ CNN بالعربية، هذا الواقع إلى ما أسماها بسنوات الفوضى التي رافقت فترة حكم الرئيس بوتفليقة، ومكّنت من نفوذ أصحاب المال وسيطرتهم على القرار السياسي، وتنصيب مؤسسات لا تدين بالولاء للشعب ومصلحة البلد، وإنما بخدمة الحاكم ومصالح الزمر النافذة في السلطة".