تقرير: منية غانمي
بعد خمس سنوات من الانتفاضة التي أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تعود تونس إلى نقطة البداية بعد اندلاع احتجاجات شعبية جديدة للمطالبة بالتشغيل والتنمية، سيما بعد فشل مساعي الحكومات المتعاقبة في احتواء المشاكل الاجتماعية التي كانت سببا في اندلاع ثورة عام 2011 والاطاحة بنظام بن علي.
في سيدي وزيد والقصرين وقفصة وباقي المدن الداخلية لاشيء تغير منذ الثورة الحال كما هو، تهميش وفقر وأمية وأوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة زاده تنامي الإرهاب، فرغم وعود مختلف الطبقة السياسية بالتغيير إلى الأفضل، لكن لم يتبدل شيء في حياة قاطني هذه المناطق، مما جعل الوضع ينفجر ويعود من حيث بدأ في صورة مشابهة لما حدث قبل 5 سنوات.
الصورة تتكرر مرة أخرى هذه الأيام في تونس، فقط تغير الاسم من محمد البوعزيزي إلى رضا اليحياوي وهو شاب متحصل على شهادة جامعية طالت بطالته، توفي حرقا بصعقة كهربائية عندما كان يحاول صعود عمود للتيار الكهربائي من أجل أن ينفذّ وقفة احتجاجية له ويسمع صوته للتعبير عن غضبه واستنكاره بعد ان حذفت السلطة المحلية اسمه من قائمة المقبولين للعمل في وزارة التربية.
حالة وفاة كانت كافية لتسكب الماء على زيت يغلي بطبعه، لتبدأ الاحتجاجات الغاضبة والمظاهرات المنددة من طرف الشباب العاطل انطلقت من مدينة القصرين لكن سرعان ما توسعت لتشمل مناطق أخرى في سيدي بوزيد وسوسة وكذلك تونس العاصمة وبعض مناطق الشمال الغربي.
واعتبر حزب الجبهة الشعبية أن تونس على أبواب ثورة أو انفجار اجتماعي، مشيرًا إلى أن الحكومة التي يقودها الحبيب الصيد ما زالت عاجزة عن تحقيق أغلب المطالب الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
وتبلغ نسبة البطالة في تونس وفقا لاحصائيات عام 2015 15.3 بالمئة مقارنة بنحو 12 بالمئة في 2010، من بينهم حوالي ثلث العاطلين عن العمل من حاملي المؤهلات الجامعية، لكن في عدة محافظات على غرار القصرين وسيدي بوزيد تتجاوز نسبة البطالة المعدل الوطني لتصل في بعضها قرابة الـ 50 بالمائة.
في هذا السياق ، اعتبر محمد الفرشيشي، عاطل عن العمل منذ 7 أعوام، أن ملف التشغيل تم نسيانه من قبل الدولة التي انشغلت بتسوية الخلافات الحزبية ومعالجة قضايا رجال الأعمال ومساعدة أصحاب النزل ومناقشة ملفات الزيادات في الأجور، وابتعدت أو تجاهلت البحث عن حلول لمشاكل الشباب العاطل.
يقول لـCNN بالعربية " يبدو أنه لا توجد نية للبحث عن حلول لتشغيل العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا تخفف عليهم عبء الحياة، 5 سنوات ونحن ننتظر دون نتيجة حتى أننا فقدنا الأمل في توظيفنا وأغلقت أمامنا كل المنافذ، لقد صمّت آذاننا بالوعود المزيفة طوال هذه الفترة، اليوم نفذ صبرنا ولن ننتظر أكثر، نحن هنا في الشوارع سنناضل من أجل حقوقنا".
وتعد القصرين من أفقر المحافظات التونسية وأقلها تنمية، وهي من المحافظات الثائرة، فشبابها كانت له الأسبقية في الخروج ضد نظام بن علي، ضد الظلم والتهميش والطغيان، ضد الفقر والبطالة، للمطالبة بالأفضل، لكن بعد الثورة اصبح اسمها مرتبط فقط بالارهاب، خاصة لاحتضانها جبل، معقل الارهابيين.
"الفقر والحرمان والفاقة وانسداد الآفاق والتهميش من جهة، زاده الخوف والرعب من الارهاب من جهة أخرى، ما هذا الحظ، ما هذا الواقع، أي ذنب اقترفناه لنعيش كل هذه المآسي، لماذا نعيش هكذا، من المسؤول عن ذلك؟ "، يتساءل معز غابري، شاب عاطل عن العمل منذ 5 سنوات ونصف.
يتحدث لـ CNN بالعربية قائلا "الشباب هنا أصبح يائسا جدًا من العيش في بلده، يريد أن يخدم بلده حقا لكن لم يفسح له المجال، الدولة التي علمته وكبر وترعرع فيها، تخذله في نهاية المطاف، لذلك البعض فقد الأمل وأقدم على الانتحار والهجرة السرية وفضّل الانضمام إلى الجماعات المتطرفة التي احتضنته، والبعض الآخر مثلما ترين انفجر ساخطا على وضعه".
وكان أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، قد حذّر في 14 جانفي الجاري بمناسبة ذكرى الثورة من ثورة اجتماعية جديدة غير محمودة العواقب لأن ملف التشغيل والتنمية لم يحظَ بالاهتمام الكافي من قبل الدولة، معبرا عن أمله في تصريحه يوم أمس أن تلقى الاحتجاجات هذه المرة الآذان الصاغية من طرف الحكومة.
وتحاول السلطات التونسية السيطرة على الأمور واحتواء هذه الاحتجاجات من أجل الحيلولة دون حدوث انفجار شعبي جديد، في وقت تسعى فيه إلى توفير الحد الأدنى من استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد حتى تتمكن من معالجة الملفات العاجلة وفي مقدمتها إنعاش الاقتصاد المنهك وتوفير التنمية للفئات والجهات المحرومة وتحسين مستوى المعيشة.
وفي هذا السياق وتعليقا على الاحتجاجات ، قال الرئيس الباجي قائد السبسي، إن الحكومة الحالية ورثت وضعية صعبة جدا تضمنت 700 ألف عاطل عن العمل من بينهم 250 ألف من أصحاب الشهائد العلمية، مشيرا إلى أن الاحتجاجات مشروعة ويكفلها الدستور وتحترمها الحكومة،غير أن وضعية الجهات المهمشة والفقيرة التي تعد تحديا على الحكومة مجابهته يستوجب وقتا لإيجاد الحلول.
من جانبها، اتخذت الحكومة التونسية عدداً من الاجراءات العاجلة التي تهتم بالجانب الاجتماعي لسكان محافظة القصرين والمحافظات الواقعة على الحدود بين تونس والجزائر، حيث تعهدت بإدماج 5000 عاطل في آليات التوظيف مع إعطاء الأولوية لأصحاب الشهادات العليا وانتداب 1400 عامل في أشغال تابعة للدولة، كذلك تكفلت وزارة التشغيل التونسية بالمساعدة في إنشاء 500 مشروع صغير ممول من أحد البنوك الحكومية بكلفة إجمالية تصل إلى 10 ملايين دينار.
طارق السايحي صحفي من القصرين، اعتبر في تصريح لـCNN بالعربية، أن هذه الحلول التي تم تقديمها مجرد حلول ترقيعية ومجرد ذر رماد على العيون، مشيرا إلى أن المسار الثوري متواصل بالقصرين لأنه يشمل مطالب أخرى فضلا عن التشغيل ومن أهمها المطالب التنموية، مضيفا أنه رغم زيارة رئيس الحكومة للمنطقة واتخاذه جملة من القرارات فإن تنفيذها بقي عالقا، معتبرا أن تطبيق هذه القرارات على أرض الواقع هو السبيل الوحيد لإخماد وطبس هذه التحركات التي تتصاعد بين الفينة والأخرى.
ومع غياب تطبيق هذه القرارات وبقائها مجرد حبر على ورق، تستمر حالة الاحتقان الاجتماعي في تونس، في وقت توقعت فيه منظمة العدل والتنمية و حقوق الإنسان، أن البلاد ستواجه موجة ثانية للثورة الاجتماعية مطلع 2016، في ظل التهميش الاجتماعي والاقتصادي قد تنتقل إلى البلدان المجاورة.
وتوقعت المنظمة، في تقرير نشرته اليوم الخميس، اتساع موجة الاحتجاجات الاجتماعية داخل تونس في ظل تدهور أوضاع الاقتصاد التونسي، مع احتمالية انتقال الثورة الاجتماعية لدول مجاورة من بينها الجزائر والمغرب، التي لم تشارك في الموجة الأولى للربيع العربي، في ظل استمرار البيروقراطية الحكومية وتفشي الفساد والبطالة والتهميش الاقتصادي لقطاعات شعبية واسعة بتلك الدول.
فهل تصدق هذه التوقعات، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون إلا احتجاجات مضيقة تعبر عن شعور بالغضب تجاه سياسة نظام الحكم الحالي وصافرة إنذار ضدهم من أجل الاتعاظ من التاريخ القريب؟