تقرير: التار ولد أحمده
نواكشوط (CNN)-- يرتبط اسم "آمنة منت المختار" لدي الموريتانيين بالتضحية والنضال والوقوف مع الضعفاء والمظلومين، فنصف قرن من الزمن من التعاطي والاهتمام بمشاكل الفقراء وقضاياهم كانت فترة كافية لتجعل منها أيقونة النضال النسوي في بلادها.
نشطت آمنة في كل القضايا الإنسانية العادلة، سواء الاجتماعية أو السياسية، أو الاقتصادية، فكانت تؤازر كل مضطهد وتقف مع كل مظلوم، وفي سبيل ذلك واجهت أصناف التضييق وأنواع القمع و التنكيل وفي بعض الأحيان السجن، ممّا دفع عدة منظمات حقوقية إلى الإشادة بها.
حصلت آمنة عام 2006 على جائزة حقوق الإنسان للدولة الفرنسية، كما اختيرت من طرف أكاديميين أميركيين في جامعة "جورج تاون" ضمن 500 شخصية الأكثر تأثيرا في العالم الإسلامي، وسلمتها هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية سابقًا جائزة تقديرية، كما تم اختيارها مستشارة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، من قبل مجلس استشاريات الصندوق العالمي للنساء، وأصبحت أول شخصية موريتانية يتم ترشيحها لجائزة نوبل للسلام، العام الماضي.
CNN قابلتها وأجرت معها الحوار التالي :
اشتهرتم بالدفاع عن قضايا المرأة كحقوق المطلقات والاغتصاب وعمل القاصرات من خلال منظمة " النساء معيلات الأسر" كيف جاءتكم فكرة إنشاء هذه المنظمة ومتى كان ذلك ؟؟
فكرة إنشاء هذه المنظمة ترتبط بقصة تراجيدية، كان لها الدور الكبير في حياتي وشكلت منعطفا حاسما في مشواري النضالي، كان ذلك سنة 1999 عندما حضرتُ مع سيدة كانت متزوجة "عرفيا" مع شخص قضى نحبه تاركا لها طفلين دون مورد حقيقي، وقد رفض ذووه الاعتراف بطفليه متنكرين لهما وناكرين لعلاقتهم بهما .
حاولت تلك السيدة استعطاف أهل أطفالها وناشدتهم منحهما حقوقهما ولم يزد ذلك الأهل إلا تعنتا، وهو ما دفع تلك السيدة إلى رفع دعوى قضائية من أجل ضمان حقوق أبنائها، وفي جلسة المحاكمة وعند نطق القاضي بالحكم الجائر، القاضي بعدم استطاعتها إثبات أبوة المغفور له لأبنائها، سقطت تلك السيدة مغشي عليها في قاعة المحاكمة بفعل الصدمة ثم فارقت الحياة قهرا وظلما. عندها قررت إنشاء هذه المنظمة حتى لا تتكرر الحالة .
يبدو أنكم انصرفتم للميدان الاجتماعي بعيدًا عن المجال السياسي مع أن بدايتكم كانت بهذا المجال . لماذا هذا التحول ؟
دخلتُ المجال السياسي وأنا في الثالثة عشر من عمري أو أقل، ونشطت في حركة "الكادحين" ذات التوجه اليساري، وكنت وزميلتي الوحيدتان من العنصر النسائي حينها، وكنت أوزع المناشير وانضممت إلى مجموعة أيلول الأحمر التابعة للحركة، إذ كانت المجموعة مسؤولة عن حماية التظاهرات والدفاع عنها، والالتحام بالأمن، وكنا ننخرط في صفوف الجماهير ونخدمهم ونساعدهم في أمور حياتهم. وكنت أعمل كذلك على تعبئة التلاميذ في الثانويات خصوصًا مدرستي، إعدادية البنات في العاصمة نواكشوط.
وقد رفعتُ شعارا في وجه الرئيس الموريتاني حينها " المختار ولد داداه" وكان شعارا مناهضا له ولسياساته وللحرب التي دخلتها موريتانيا في الصحراء،ومنذ ذلك الحين وحتي الآن ونحن نناضل من أجل أن تنال المرأة حقوقها السياسية، وقد دعمنا شعار " التمييز الايجابي" لصالح المرأة وقمنا بحملات واسعة من أجل مشاركة المرأة في السياسية.
وتمخضت أول ورشة نظمتها منظمتنا حول المناصَرة، عن شبكة ضغط كبيرة وحصلت المرأة الموريتانية على أكثر من 20% من مقاعد البرلمان، وساهمنا في إقرار قانون يفرض حصة معينة من المناصب الانتخابية لصالح المرأة .
دعوتم إلي توفير محاكمة عادلة وإطلاق سراح الكاتب " ولد امخيطير" الذي كتب مقالا اتهم من خلاله بالإساءة إلى رسول الإسلام، هو الموقف الذي أثار عليكم بعض الفقهاء، بل وصفكم بعضهم بأنكم "مرتدين عن الدين" وأباحوا دمكم. لماذا دافعتم عن هذا الكاتب وكيف تفاعلتم مع هذه التهديدات؟
للأسف الشديد تشهد البلاد موجة من التشدد و الغلو وظهور أدعياء يدعون التدين وهم يمرقون منه كما تمرق الشعرة من العجين، وللأسف أيضا يحدث هذا و الدولة متخلية تماما عن واجبها في التصدي لمثل هؤلاء البشر، بل إنها أحيانا تتواطأ معهم، ففي الحالة التي ذكرتم، قمنا برفع دعوى قضائية ضد الشخص – لا أقول عنه فقيه - الذي ذكرتم والسلطات هي من تحفظت علي الدعوى ولم ترغب في توقيفه، وتركته يفتك في أعراض ودماء المواطنين باسم الدين .
أما عن قضية "ولد امخيطير" فمسألة توفير محاكمة عادلة للمتهم هي حق متوافق عليه في جميع الشرائع والقوانين، وهو ما لم يتحقق في قضيته فخلال الأيام الأولى خرج الرئيس الموريتاني في تدخل واضح ومرفوض، وتعهد لهم بإنزال أقسى عقوبة في حقه، وهو ما يخلّ بإلزامية استقلال القضاء كشرط لنزاهته.
طالبتم بإقامة دراسات و أبحاث دينية لأجل تحديد "إرث المرأة"؟ ألا يوجد تحديد حق المرأة في الميراث في الآية الكريمة : "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ؟؟"
لقد قامت منظمتنا بدراسة شارك فيها أبرز علماء وفقهاء البلد، وقد خلصت تلك الدراسة التي توجد عندي نسخة منها إلى أنه للمرأة في بعض الحالات المعروفة أن ترث أكثر منما يرث الرجل، بل لها أن تحجبه، أي أن ترث هي ولا يرث الرجل شيئا.
وبالتالي فأنا أدعو الفقهاء والعلماء إلى مراعاة الظروف التي تغيرت عن السابق، وإعطاء المرأة المسلمة حقها في المساواة مع الرجل ، نظرا لعدة اعتبارات .
أنتم أول شخصية موريتانية يتم ترشيحها لنيل أهم جائزة دولية في العالم للسلام، وهي جائزة " نوبل" كيف تم ذلك ولمن يعود له الفضل؟
لم أسعً إطلاقا لترشيح نفسي لهذه الجائزة التي فعلا مهمة وتمثل رسالة دعم ومساندة قوية لي، وإنما تم ترشيحي لها من طرف آخرين، بل إنني – ربما – كنت آخر من يعلم، فقد علمت بالأمر من خلال وسائل الإعلام المحلي، وهذا الترشيح يعتبر في حد ذاته بالنسبة لي بمثابة جائزة كبيرة ، وإن هذا التكريم ليس تكريما لشخصي بقدر ما هو تكريم لكل نساء موريتانيا، كما أنه تكريم لكل الموريتانيين.