تقرير: حمزة عتبي
الجزائر (CNN)-- رسمت الاعتداءات الإرهابية الأخيرة على فندق راديسون بمالي وفندق سبلنديد في قلب مدينة واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، المزيد من الاهتمام بالمنطقة، فأصبح الساحل الإفريقي له خصوصية كونه منطقة ممتدة يمكنها أن تشكل مثوى للارهابين الفارين من الدول الأخرى، ما مكّن هذه الجماعات الإرهابية من الاستفادة من انعدام الأمن فيها، هذا الوضع كان مبررًا كافيًا لتعزيز التواجد الأجنبي بالمنطقة.
فقد أضحت منطقة الساحل الإفريقي تثير اهتمام فرنسا وغيرها من القوى الدولية على كل المستويات الإستراتيجية الاقتصادية والسياسية، لا سيما بعد انقلاب الجيش على نظام الرئيس المالي "أمادو توماني" في مارس/ آذار 2012، مما أعاد بعث التواجد الفرنسي العسكري في المنطقة، فأصبح الساحل احد أهم المجالات الجيوسياسية التي دخلت الحسابات الفرنسية.
وإن كان المبرر لهذا الاهتمام ترجعه فرنسا وحلفاؤها إلى تأزم الوضع الأمني في الساحل وما يمكن أن يشكله من تهديد الأمن الدولي، إلا أنه يقود للتساؤل حول وصول الوضع الأمني في الساحل إلى مرحلة متأزمة بإمكانها أن تتوسع خارج الإقليم وتضر بمصالح الأمن القومي الفرنسي وتهدد الفضاء الأمني الأوروبي و الدول الإفريقية خاصة في ظل الوضع الأمني المتأزم في ليبيا وتونس ، أم أن هذا الاهتمام الفرنسي بالمنطقة لا يرجع فقط لأبعاد أمنية وإنما يتعداها إلى أبعاد أخرى.
في هذا الصدد، برر حمدي جوارا المراقب العام للرابطة العالمية لدارسي العربية من إفريقيا بباريس، التواجد الغربي في منطقة الساحل، قائلا: "التواجد الغربي ضروري لاعتبارات جوهرية إنسانية دون أن نغفل الجوانب والأسباب السياسية والاقتصادية التي وراء تلك الحملات التي تشن باسم محاربة الإرهاب".
فالمنطقة – حسب جوارا - تحتاج إلى دعم سياسي وتنموي، بحكم أن دول المنطقة ليست لديها الامكانات اللازمة لتطوير وتنمية تلك المناطق أو تجعلها في بؤرة اهتمامها مما سبّب هذه الاضطرابات التي نشاهدها، ويضيف جوارا في حديثه لـCNN بالعربية، أن عنصر الإرهاب الذي يهدد استقرار المنطقة، "جعلها منطقة بركان ملتهبة بحوادث الإرهاب والاختطاف وهذا كله جعلت دول الساحل ترحّب بهذا التواجد الغربي سواء كان فرنسيا أو غيره".
ولعل شساعة المجال الجغرافي للساحل خلقت نوعا من الاختلاف حول أي من الدول هي تنتمي إلى هذا المجال، على اعتبار أن الساحل الإفريقي يمتد من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر فاصلا بين الصحراء الكبرى شمالا ومنطقة السافانا جنوبا، إلا أن معظم الباحثين يحصرونه في الدول الثمانية السنغال موريتانيا مالي النيجر بوركينافاسو تشاد السودان شمال نيجيريا.
وحسب علماء الانتربولوحية، فان ما يميز المجتمع في الساحل هو تعدد الاثنيات والعرقيات فيه، مما يضعف التجانس الاجتماعي ويخلق مشاكل داخل الدولة الواحدة وحتى بين الدول الإقليم، ومما زاد في ذلك هو التقسيم الاستعماري لهذه الدول والذي لم يراع الحدود الانتربولوحية للمجتمعات المحلية، إلى جانب غياب فلسفة المواطنة في هذه الدول واستحالة بناء آليات الوقاية وحل النزاعات الداخلية مما جعل التدخل الأجنبي أمراً ضروريا.
ويرى الباحث في القضايا الإفريقية احمد طالب أبصير، أن "شبكة التحالفات المنتشرة من العمق الافروساحلي إلى الدول الأوروبية هي إستراتيجية تدخل في إطار الفكر العملياتي العسكري للتنظيمات الإرهابية من خلال إعادة بعث الانتشار و البحث عن فضاءات أمنية اقل مراقبة و تتمتع بميوعة و أيضا عبر الاستثمار في التواجد داخل الفضاء الساحلي".
كما أن فرضية تحالف التنظيمات الإرهابية فيما بينها كتنظيم الدولة الإسلامية و تنظيم القاعدة لشمال إفريقيا و جماعة بوكو حرام و التفرعات الإرهابية الأخرى و الأجهزة الاستخباراتية مع مختلف الميليشيات الناشطة في منطقة الساحل، وكذا الصراع فيما بين تلك التنظيمات الإرهابية على غرار حركة أنصار الدين والحركات الازوادية، أدى إلى الدفع بالتنظيمات الإرهابية إلى البحث عن فضاء جغرافي بعيد عن تواجد تلك الحركات ومحاولة فرض منطقها عبر فضاء آخر.
وتابع أبصير حديثه لـ CNN بالعربية، في هذا الاطار، أن التنظيمات الإرهابية عملها الأساسي مبني على "استهداف المصالح الحيوية للدول الأوروبية و خاصة هنا فرنسا التي أعلنت حرباً مفتوحة على مختلف التنظيمات الإرهابية على غرار تنظيم القاعدة لشمال إفريقيا و تنظيم الدولة الإسلامية من سوريا إلى ليبيا و وصولاً إلى الفضاء الساحلي".
هذا الوضع، جعل المتتبعين للشأن الإفريقي، يتساءلون عن فاعلية وصول التهديدات الأمنية في الساحل الإفريقي بخصوص الإرهاب إلى درجة أو المرحلة التي تسمح لها بالوصول والتهديد خارج المنطقة الساحلية، مشككين في هذا التهويل الكبير من قبل فرنسا، وأرجعوه إلى غايات أخرى قد يكون المجال الاقتصادي أحد أركانها.
وعن هذا، يقول جوارا: "صحيح أن هناك دوافع اقتصادية لكن لا اعتقد أنها الورقة الأولى في هذه المعادلة، لقد كانت الهجمات الإرهابية الأخيرة في المنطقة، حدثا كبيرا أظهر هشاشة هذه الدول وعدم قدرتها على حماية حدودها وتطوير مناطقها"، ويعتقد محدثنا أن "التواجد الغربي ما زال مهمّا لدعم القوات الوطنية المتمركزة في منطقة الساحل وهذا الاهتمام الإقليمي لموضوع الأمن هو خير دليل".
الحديث عن الساحل، يدفع حتما إلى سعي دول الجوار للحد من التهديدات الأمنية في الساحل والسعي نحو إعادة الاستقرار في المنطقة، مما قد يفقد فرنسا مبررها الذي تسعى من خلاله لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في الساحل، وكسر حالة التخوف عند دول الجوار من أن يتحول هذا الاهتمام إلى تدخل عسكري.
وقد زادت مخاوف دول الجوار من تحول هذا الاهتمام إلى تدخل عسكري، بعد إعلان إنشاء القيادة العسكرية الخاصة بأفريقيا "افري كوم" التي رفضت الجزائر أن يكون مقرها على أراضيها وكذلك رفض الطلب الفرنسي والبريطاني القاضي باستغلال أجواءها لضرب الجماعات الإرهابية.
و من المنطقي جداً أن تلجأ فرنسا الباحثة عن توسيع نطاق نفوذها الجيو-استراتيجي إلى استخدام الذريعة الكفيلة، بإقناع حلفائها سواء التي تطمح إلى إقناعهم أو المنظمين، عبر الرفع من مساهمتهم العسكرية، "وعند الحديث عن طبيعة اللعبة العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي فإننا سوف نقف على لعبة استخباراتية بامتياز"، يقول أبصير.
وبالنسبة للدور الجزائري والصراع مع التواجد الفرنسي، فالجزائر – حسب ابصير - تدرك جيداً أن عمق التواجد الفرنسي الاستخباراتي العسكري هي حتمية تاريخية لا يمكن تجاوزها أو التفوق عليها ضمن المربعات التي تحسن فرنسا اللعب فيها، ويضيف محدثنا أن محور دول إفريقيا الغربية "يشكل قوة إضافية للتواجد الفرنسي في جوهره العام و ليس الخاص، فلهذا الجزائر تستعين بدورها عبر زاوية الاتحاد الإفريقي".
تنامي ظاهرة الإرهاب في الساحل الإفريقي، يضع الجزائر -حسب أبصير- أمام خيارات "إما الانتشار العسكري و كسر قاعدة عدم التدخل عسكريا خارج الحدود السيادية أو المشاركة في العمليات الاستخباراتية و تبادل المعلومات أو تشكيل تحالف عسكري يكون دورها فيه التمويل و التدريب و جمع ونشر المعلومات الاستخباراتية".
أما في نظر أمال بوبكر باحثة مشاركة في مركز جاك بيرك بالرباط، "ليست هناك منافسة بين الجزائر وفرنسا من أجل السيطرة على الإستراتيجية الأمنية في الساحل، لكن هناك تقسم للأدوار في غياب إستراتيجية شاملة من وضع هذه البلدان، تأخذ بعين الاعتبار التنمية الاجتماعية و السياسية لسكان جنوب الجزائر و شمال المالي ".
ومع تزايد الهجمات الإرهابية في كل لحظة في المنطقة، دعا جوارا دول المنطقة إلى القيام بمسؤولياتها بتكثيف التواجد العسكري في الحدود ومحاصرة الجماعات المسلحة والتعاون مع الدول الكبرى، مؤكدا أن "التواجد الغربي ليس مصلحيا فقط في جوهره بقدر ما هو دعم سياسي وأمني للمنطقة ككل".