حمزة عتبي، (CNN)--أعادت زيارة وزير المجاهدين الجزائري الطيب زيتوني الى فرنسا، التي تعتبر الأولى منذ الاستقلال، ملف تجريم الاستعمار واعتراف فرنسا بجرائمها إلى ساحة النقاش في الجزائر، رغم أن الوزير أشار إلى أن هذه الزيارة لا تدخل في إطار التفاوض، بل تأتي لإزالة العراقيل والحواجز التي تقف في وجه حل الملفات المذكورة.
ورغم اعتراف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال زيارته إلى الجزائر شهر ديسمبر/كانون الأول 2012، بأن الاستعمار كان جريمة وظلماً قاسياً على الشعب الجزائري، دون أن يعلن عن اعتذار رسمي، إلا أن القوى السياسية الجزائرية لازالت متشبثة بتحقيق بالمطالب الثلاثة، المتمثلة في اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، والاعتذار عنها، ثم التعويض المادي للضحايا وعائلاتهم.
بيد أن الباحث في التاريخ رابح لونيسي، يرى أن مطالبة فرنسا بالاعتراف بجرائمها في الجزائر هو "عمل صعب جدا إن لم يكن اعترافها مستحيلا، لأننا يجب أن نضع في أذهاننا أن فرنسا تعتبر نفسها مصدر حقوق الإنسان في العالم، فإن اعترفت بذلك معناه أن تعيد النظر في كل ما بنته وسمعتها الدولية منذ الثورة الفرنسية وإصدارها ميثاق الحريات وحقوق الإنسان في عام 1792".
واستدرك لونيسي، في حديثه لـ CNN بالعربية، كلامه قائلا: " هذا لم يمنع مسؤوليها من الحديث عن جرائم محدودة مثل اعترافها غير المباشر بما وقع في ماي 1945 عن طريق سفيرها في الجزائر، أو حتى حضور فرانسوا هولاند الاحتفالات بذكرى مجازر 17 أكتوبر/تشرين الاول 1961".
وسبق لمكتب البرلمان الجزائري، في يناير 2012، أن أسقط مشروع قانون اقترحه نواب يمثلون 14 حزبا سياسيا، مشكلين بذلك "جبهة الدفاع عن السيادة والذاكرة"، ردا على قانون كان قد أصدره البرلمان الفرنسي في فبراير/شباط 2006، يمجد من خلاله الاستعمار.
وتهدف مسودة مشروع قانون تجريم الاستعمار، الذي رفضت أحزاب الموالاة إقراره، إلى تجريم الاستعمار الفرنسي عن كامل الأعمال الإجرامية التي قام بها في الجزائر خلال الفترة من 1830 إلى 1962 وما نتج عنها من آثار سلبية، وإنشاء محكمة جنائية جزائرية خاصة لهذا الغرض مهمتها محاكمة كل مجرمي الحروب والجرائم ضد الإنسانية.
وعشية زيارة وزير المجاهدين طيب زيتوني إلى فرنسا، دعت الأمانة الوطنية لمنظمة المجاهدين إلى "وجوب قيام الدولة الفرنسية بتقديم الاعتذار للشعب الجزائري عما ارتكبته في حقه من جرائم وتعويضه عن الأضرار التي ألحقتها به طيلة حقبة الاحتلال وتمكينه من حقه في استرجاع أرشيفه الكامل وما أخذ من أموال وأشياء وغيرها".
وفي هذا الإطار، يقول الباحث في التاريخ الوطني، عكروت خميلي، أن "فرنسا لم تعترف بأي جرم تجاه أي بلد استعمرته سواء كانت الجزائر أو غيرها"، وأضاف محدثنا: "نحن في الجزائر نحصي للاستعمار الفرنسي جرائم كثيرة وهي جرائم إبادة مثل جريمة غار الحرافيش وغيرها وجرائم أخرى كثيرة في حق القبائل الثائرة وأثناء المقاومات الشعبية، أما اكبر الجرائم فهي مجاز 8 ماي 1945".
وتابع عكروت حديثه لـ CNN بالعربية، عن اعتراف الدول بجرائمها " الجرائم ضد الإنسانية المعروفة التي أدينت، هي جريمة إبادة النازية لليهود "الهولوكوست"، والتي تعتبر الأرضية لميلاد اتفاقيات جنيف الأولى والثانية، وكذلك اعتراف ايطاليا باستعمار ليبيا، لكن الأمر غامض في هذه الحالة باعتبار الاعتراف جاء حسب الطلب".
وأثار اعتراف ايطاليا بجرائمها الاستعمارية في حق الشعب الليبي آنذاك، ردود فعل مختلفة، رأت في السلوك الايطالي خطوة قد تحرج باقي الدول الاستعمارية، خاصة فرنسا واسبانيا، ودفعهما نحو الاعتراف بجرائمها والاعتذار عنها لكل من الجزائر والمغرب.
وفي هذا الشأن، يقترح لونيسي وضع ملف المطالبة بتجريم الاستعمار في إطار "هدف إستراتيجي أمني"، فمن الخطأ –حسبه- التركيز على تجريم الاستعمار الفرنسي فقط، بل "يجب العمل والتنسيق مع البلدان التي تعرضت للاستعمار لاستصدار مبدأ دولي وإدخاله في ميثاق هيئة الأمم المتحدة يعتبر كل الاستعمارات مهما كان شكلها جريمة لذاتها، ويحرم أي تمجيد لها".
وفي الموضوع ذاته، يرى رياض بوخدشة، صحفي بجريدة صوت الأحرار، لسان حال حزب جبهة التحرير الوطني، انه من الضروري "العمل على تكوين ذهنية وضمير جمعي، يستنكر الاستعمار ويجرمه، لأن تجريم الاستعمار مهما كانت دوافعه يعد وقاية لإلحاق الضرر بالإنسانية، ويقلص من الأطماع التي تقف كسبب مباشر غير معلن خلف العديد من التدخلات الأجنبية في شؤون الدول".
وتأسف بوخدشة في حديثه لـ CNN بالعربية لما يقدم للتلاميذ في البرامج التربوية والتي تشيد بقوى الاستعمار المتعاقبة، قائلا في هذا الصدد: "يلقنون التلاميذ منجزات الاحتلال الروماني، ويزورون المناطق الأثرية التي خلفها هذا الاحتلال وينظرون إليها على أنها إنجازات، فلهذا نخشى مع تقادم الزمن أن تصبح ما خلفته فرنسا الاستعمارية من أثار كذلك انجازا وشاهدا على حضارة وليس دليل جريمة ارتكبت في البلد؟".