الرباط، المغرب (CNN)--كثيرًا ما يهتم الناس بعلاج الأمراض والتداوي منها نهائيًا، لكن هذا الرهان قد يبدو صعبًا للغاية مع أمراض لا شفاء لها تُسبّب الوفاة في الغالب كالسرطان والإيدز. لكن المصاب بهذه الأمراض، يبقى من حقه الاستمتاع بحياة دون ألم حتى ولو احتسب له الأطباء أيًامًا معدودة للعيش، وفي سبيل ذلك يجتهد الطب العالمي لضمان رعاية تلطيفية تخّفف معاناة المريض وتجعله يقضي أيامه الأخيرة دون محنٍ جسدية.
ولهذا الغرض، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش المغرب بإنشاء مراكز للرعاية التلطيفية العامة في المستشفيات الجامعية وجميع مراكز السرطان الإقليمية كي تكون هذه الرعاية جزءًا من المنظومة الصحية، وضمان توفر المسكّنات الأفيونية عن طريق الفم، والتأكد من وجود موظفين في المراكز الصحية مدربين لتقييم وإدارة الألم، وإزالة كل ما من شأنه عرقلة مسار الرعاية التلطيفية.
هذا التقرير الخاص بالمغرب، الصادر شهر فبراير 2016 بعنوان "كنتقطع بالحريق" (أي أتمزق ألمًا)، عن التحديات التي يواجهها المصابون بأمراض تهدد الحياة في سبيل إيجاد رعاية تلطيفية تحدّ من الألم، استند إلى أبحاث أجريت على مدار خمسة أشهر ومقابلات مع 85 شخصًا واستعراض لجل التشريعات ذات الصلة، وشارك في إعداده الدكتور المعطي نجمي، رئيس الجمعية المغربية لدراسة الألم والعلاجات التلطيفية.
ومن الحالات التي تناولها التقرير، قصة عادل ، 29 سنة، الذي عانى من السرطان في ساقه لسنوات، لدرجة أن الألم كان يحرمه النوم ويجعله يرغب في أيّ حل حتى ولو كان ضرب رأسه مع عرض الحائط، وكذا حالة زيان، الذي أساء طبيبان تشخيص حالته وعالجاه على أنه مصاب بالبواسير، ليكتشف بعد تجربة مريرة مع الألم الذي كاد أن يقوده إلى الجنون، أنه مصاب بسرطان القولون، ورغم معالجته بنظام الرعاية التلطيفية، إلّا أن تجربة الألم جعلته يخسر 30 كيلوغراما من وزنه.
وحسب التقرير، فإن حوالي 150 ألف مغربي يعانون من أمراض مزمنة وغالبًا غير قابلة للشفاء كالسرطان وأمراض القلب والرئة والكلى والإيدز، نسبة مهمة منهم تعاني من أعراض الألم. فإن كان علاج هذه الأمراض أمرًا جد صعب، فإنه علاج أعراض الألم أمر ممكن، إذ يمكن للمرضى التمتع بحياة أفضل حتى آخر لحظة من حياتهم، وذلك في بلد تمثل فيه الوفاة بسبب الأمراض المزمنة غير المعدية 75 في المئة من حوالي 260 ألف حالة سنويا تسجل بالمغرب.
واعتبر التقرير أن الرعاية التلطيفية لا تزال محدودة في المغرب، إذ لا تحضر سوى في مركزين عمومين لعلاج السرطان، بينما تغيب في غالبية المراكز الصحية المغربية، كما لا تتوافر لمن يعانون من أمراض غير الأورام، فضلًا عن غياب عاملين مدربين في هذا المجال، وقلة كميات المواد العلاجية التلطيفية مقارنة بعدد المحتاجين لها، ممّا يجعل الآلاف من المرضى المغاربة يعيشون في معاناة كبيرة.
ولا تعدّ الرعاية التلطيفية ترفًا، فهي إحدى الخدمات الصحية الأساسية حسب منظمة الصحة العالمية التي تحث الدول على ضمان دمج ھذه الخدمات في جميع مستويات نظام الرعاية الصحية، واتخاذ كل السبل لتوفيرها، لذلك فقد حدّد المغرب بوضوح أن هذه الرعاية قضية صحية عامة، وشرع في خطوات لتعميمها، بيد أنه لا تزال أمامه الكثير من الخطوات كي يُنجح تجربته في هذا المجال، يقول التقرير.
ونوّه التقرير بما اعتبرها خطوات إيجابية اتخذها المغرب في السنوات الأخيرة لتطوير خدمات الرعاية التلطيفية وزيادة فرص الحصول على الأدوية المسكنة للألم، ومن ذلك تضمين تطوير الرعاية التلطيفية في برامج الصحة الوطنية، وفي المناهج الدراسية بكليات الطب، وإزالة الحاجز التنظيمي الكبير للوصول إلى هذه الأدوية، وإصلاح نظام التأمين عن المرض، غير أنها نتائج هذه الخطوات تبقى دون مستوى التطلعات.