الرباط، المغرب (CNN)-- استأثرت قضية الشاب المغربي عبد الرحمن المكراوي، الذي ظهر في فيديو يفضح من خلاله رداءة إحدى الطرق، باهتمام واسع لدى الرأي العام بالمغرب، لا سيما بعد اعتقال الشاب وإيداعه السجن إثر شكاية من رئيس الجماعة القروية المشرفة على الطريق المغشوشة، إذ تعاطف مع الشاب الكثير من الناس، وتم إنشاء حملة افتراضية كبرى تضغط يوميًا لأجل تبرءته من تهمتي "السب والقذف".
غير أن النقاش الذي خلقه فيديو هذا الشاب لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد إلى إعادة فتح ملف حالة الطرق غير الرئيسية بالمغربية، لا سيما مع ظهور مسؤول في فيديو آخر وهو يفضح حالة الغش التي تشهدها طريق أخرى. وبشكل عام، فإن حالة الطرق الثانوية في المغرب تشهد انتقادات واسعة على الدوام رغم المجهودات والأرقام التي تقدمها الدولة والمؤسسات المنتخبة.
اعتراف بوجود غش
اعترف رئيس جماعة "جمعة سحيم" نواحي مدينة آسفي بوسط المغرب، وهو المسؤول الذي اشتكى الشاب بتهمة "السب والقذف"، بوجود حالة غش في أشغال تلك الطريق، متحدثًا فيما نقلته جريدة "العلم" الناطقة بلسان حزب الاستقلال الذي ينتمي إليه، أن صفقة الطريق تم تمريرها بمبلغ ضخم في عهد رئيس الجماعة السابق، وأنها لا تزال في عهدة الشركة.
اعتراف رئيس الجماعة تزكيه تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وهو مؤسسة عمومية للمراقبة، إذ أشار في تقريره عن سنة 2013، إلى وجود نقائص كثيرة على مستوى أشغال الطرق في مجموعة من المناطق، منها وجود تعثر في المشاريع وتوقف الأشغال بها، وعدم وجود تتبع للأشغال، وعدم إثبات مصدر وجودة المواد المستعملة في تعبيد الطرق، والترخيص بالشروع في الإنجاز في غياب الوثائق القانونية، وعدم وضوح المساطر المتبعة، وغياب التنسيق بين المصالح المتدخلة.
ولم يحتج المغاربة فيديو الشاب لمعرفة أحوال طرقهم، ففي دجنبر / كانون الأول 2014، وإبّان موسم الشتاء، شقطت قنطرة في جنوب المغرب، تصل قيمتها إلى 19 مليون درهم (1,74 مليون دولار)، وانقطعت كل المنافذ البرية المؤدية إلى مدينة سيدي إفني بالجنوب، كما التقطت الصور مشاهد ترّدي العشرات من الطرق، بعضها تم إنشاؤه قبل فترة قليلة.
الاكتفاء بمرسوم لتنظيم الصفقات العمومية
رغم قيام الدولة بمجموعة من الإجراءات لضمان نزاهة وشفافية الصفقات العمومية، ومن ذلك إحداث بوابة على الانترنت لهذا الغرض، إلّا أن الخلل لا يتوّفر فقط عند احترام المقاولين لشروط الصفقة، بل يمتد إلى الأصل، أي الإطار التشريعي المحدد في المرسوم المنظم للقطاع، ثم يتجاوز ذلك إلى عدم وجود آليات قوية للمراقبة والزجر.
ويتحدث محمد المسكاوي، عن الشبكة المغربية لحماية المال العام، أن الاكتفاء بمرسوم في مجال الصفقات العمومية، وعدم العمل على إنجاز مشروع قانون تتم مناقشه داخل البرلمان، لم يتح تحديد شروط قوية لهذه الصفقات يشارك الجميع في صياغتها، معتبرًا أن الضغط الذي تعرفه الشبكات الاجتماعية يجب أن يستثمر لأجل إخراج قانون يحدد الشروط المطلوبة في كل طريق حسب نوعيتها وكيفية استخدامها.
ويضيف المسكاوي لـCNN بالعربية، أن أكبر خلل في هذه الصفقات، هو اختيار العرض الأقل من ناحية المصاريف دون الاهتمام بالجودة، ممّا يدفع بالمقاول، في كثير من الأحيان، إلى اللجوء للغش أو هضم حقوق العمال من أجل إيجاد هامش للربح، وهو ما يفرض، حسب المسكاوي، تغيير هذا المبدأ باشتراط احترام الجودة قبل معيار الثمن.
ويتابع المسكاوي أن غياب المراقبة يتيح تبادل المصالح بين المقاولين والمنتخبين على رأس الجماعات الحضرية والقروية، كما هناك ظواهر غريبة مثل فتح المجال لمقاول دون أيّ خبرة في تعبيد الطرق، مبرزًا أن المراقبة يجب أن تتم عبر جهاز أعلى من الجماعة التي منحت ترخيص الأشغال، وأن يشارك فيها كذلك ممثلين من الجمعيات في كل قرية أو مدينة معيّنة.
رداءة الطرق تزيد من عزلة القرى
وتعترف وزارة التجهيز والنقل المغربية بتدهور حالة الطرق والقناطر بشكل كبير، إذ تحدثت في بلاغ قبل فيضانات 2014 أن نصف الطرق المغربية توجد في حالة سيئة وتحتاج إلى صيانة، وأن ما يقارب مائتي قنطرة مهددة بالانهيار، كما أن حوالي 800 طريق تحتاج إلى تدخل فوري، بينما لا يتلاءم عرض 3800 منشأة مع حركة السير والجولان.. أرقام لها تأثير واضح على معيش السكان، لا سيما قاطني المناطق النائية الذين يجدون أنفسهم كل شتاء في عزلة تامة.
يتحدث عبد الإله الخضري، فاعل حقوقي، أن هشاشة الطرق في المجال القروي تعود إلى كذلك إلى إعطاء مهمة التتبع إلى مجالس قروية لا تتوّفر على الموارد الكافية للمراقبة والاختيار، وهو ما يؤثر سلبًا على الطرق التي تشرف عليها هذه المجالس بينما تكون الطرق التي تشرف عليها وزارة التهجيز والنقل أكثر جودة، خاصة وأن المجالس القروية تعاني حسب قوله من صراعات سياسوية تمنع تطوير البنى التحتية.
ويضيف الخضري لـCNN بالعربية: "ما يحدث في الكثير من المناطق القروية هو وجود تحالف بين نخب سياسية فاسدة ونخب مقاولاتية فاسدة مقابل غض الطرف من السلطات العمومية، ممّا يعطيك طرقًا تسوّى على الورق بـ100 مليون سنتيم بينما لا تتجاوز أشغالها الحقيقية 30 مليون سنتيم، ويزيد من تهميش المناطق القروية رغم إمكانياتها الاقتصادية الهائلة".