الجزائر (CNN)-- لا يختلف اثنان في توصيف الإعلامي قادة بن عمار، الذي ترنح مساره المهني ما بين الكتابة الصحفية إلى الصورة والصوت مستقرا في نفس المؤسسة، على أنه "فاكهة قناة الشروق"، باحتلاله قلوب الجزائريين دون إذن مسبق منهم، فلم يكن الإعلام بالنسبة إليه هواية فقط، بل كان دارسا له في جامعة وهران غير بعيد عن مسقط رأسه ولاية "سيدي بلعباس".
ويحتل برنامج "هنا الجزائر"، الذي يقدمه بن عمار صدارة البرامج السياسية في الجزائر، صانعا الحدث بأسلوبه في إدارة النقاش، وتخندقه دوما في صف المعارضة، وافتتاحيته "النارية" التي كثيرا ما تحمل تساؤلات "عصية". موقع CNN بالعربية اقترب من الإعلامي قادة بن عمار وكان لنا معه هذا الحوار المقتضب.
في هذا الحوار، أجاب بن عمار على حزمة من الأسئلة، التي تمحورت حول الأوضاع السياسية بالجزائر وتسبب الجنرالات في المأساة الوطنية التي عاشتها الجزائر طيلة عشر سنوات، والتي سبق أان أثارها في إحدى حلقات برنامجه، مما خلف ردود أفعال متباينة، كاشفا لنا، بان هذا الموسم يعد الأخير بالنسبة له في تقديم برنامج "هنا الجزائر".
عن تلقيه تهديدات بعد وصفه الجنرال المتقاعد خالد نزار بـ "الأهوج" و"المتطرف" في إحدى حلقات برنامجه، وعن ما إذا تلقى تهديدات بعدها، يقول بن عمار "مضايقات بصورة مباشرة، لا توجد..لكنني أعترف أن ما قدمته في تلك الافتتاحية كان كلاما من القلب، قلب مواطن لا يريد لبلده أن يعود للمربع الأول مجددا".
وأضاف "استفزني ظهور خالد نزار مرة أخرى على شاشة الشروق، استفزتني برودته في سرد الأحداث، ودخان سيجارته وكأنه ليس مسؤولا عن تضييع بلد وبهدلة شعب بالكامل..لا أنكر أنني قلت ما قلته دون استشارة مسؤولي القناة، لكن هؤلاء وفي مقدمتهم المدير العام للقناة، يثق في مساري جيدا ويدرك أنني ابن المؤسسة وأعرف خطها الافتتاحي جيدا."
وبخصوص من يتحمل مسؤولية من قتلوا وشردوا وهجروا ويتموا في تلك الفترة السوداء، أوضح بن عمار "في البداية أنا لست سياسيا ولا مؤرخا لأجيب عن هذا السؤال، وليس سرا القول أنني كنت طفلا عند وقوع تلك الأحداث (كان عمري 10 سنوات في 1991) لكنني حزنت جدا لمقتل محمد بوضياف بتلك الطريقة البشعة، أذكر أنني بكيت طويلا، دون معرفة السبب.".
واستدرك محدثنا كلامه قائلا "مع مرور السنوات وتشكّل وعيي بالقراءة ثم ممارسة المهنة والتقرب من بعض الفاعلين، لم يعد تحميل هؤلاء المسؤولية، شعور طفل صغير، ولكن بناء على إعادة تشكيل الوقائع.. رأيت أن صاحب السلطة مسؤول، بدءًا من الشاذلي والجنرالات، ثم أيضا "الفيس"(حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ) مسؤول لأنه تمرد على الدولة، أو جزء منه على الأقل، والنخب السياسية والإعلامية مسؤولة أيضا".
وعن اهتمام القتلة بعدّ الجثث بعد ضحيتهم الأولى، ومبالاة الطغاة بعدد الموتى الذين ركبوهم حتى يلامسوا قمة الدناءة، أفاد بن عمار"عندما تدخل في حرب أهلية كتلك التي عشناها في التسعينيات، لا يعود مُهّما معرفة من يموت، ولا كم ماتوا، يتحول الضحايا إلى مجرد أرقام.. وتلك هي الكارثة الكبرى.."، ونبه أيضا "من شاهد خالد نزار يعرف بأنه لا يبالي..هو ما يزال يقنع نفسه بإنقاذ الجمهورية !! أيّ إنقاذ ذلك الذي كلفنا مئات الآلاف من القتلى وآلاف أخرى من المشردين واليتامي والمهجرين..".
وأشار بن عمار، بخصوص المبالغة في اعتقاده أن الجنرالات الذين رموا بالجزائر في جهنم بقرار رسمي "رخيص": "قد أكون مبالغا من وجهة نظر البعض، تحديدا من عايشوا تلك اللحظة، لكنني أعتقد أن حياة الناس هي الغالية أما القرارات السياسية فرخيصة جدا..أن ترمي المئات من الشباب في محتشدات بالصحراء فقط لأنهم يواظبون على الصلاة في تلك المرحلة، هو قرار رخيص جد ".
وفي رده عن عدم الالتزام بالحيادية وميوله للطرح المعارض، ودعوته للخروج إلى الشارع، يرى بن عمار، أنه أقلّ جدا من تحريض الناس على الخروج إلى الشارع، "أما الحياد فأعترف بأنني لست محايدا حين يتعلق الأمر بالحريات الفردية والجماعية، أو بالديمقراطية والحفاظ على البلد.. لكنني أحاول أن أكون موضوعيا بتوفير جميع الآراء ومن كل التيارات، وهنا أشير لأن برنامج "هنا الجزائر" مفتوح على الجميع إلا من أبى".
وفي الأخير، كشف بن عمار لـ CNN بالعربية، أن هذا الموسم سيكون الأخير له في تقديم برنامج "هنا الجزائر"، "أما بالنسبة للقناة فأعتقد أنها ستستمر في تقديمه برؤية جديدة، فـ"هنا الجزائر" ملك للشروق وليس لـ"قادة بن عمار"، وعن آفاقه المستقبلية يقول: "على المستوى الشخصي، أفكر في تقديم برنامج أسبوعي، يكون ثقافيا أو اجتماعيا، فالسياسة لم تعد تستهويني، والبرامج اليومية تستنزف مني كثيرا من الجهد والوقت".