في القصرين التونسية.. الفراغ والتشاؤم يقودان الشباب نحو ثقافة الموت

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير منية غانمي
في القصرين التونسية.. الفراغ والتشاؤم يقودان الشباب نحو ثقافة الموت
الصورة أرشيفيةCredit: ABDERRAZEK/AFP/GettyImages

تونس (CNN)-- الموقع الجغرافي والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة لسكانها، جعلا محافظة القصرين تودع العديد من شبابها إلى الأبد وتهدر ثروة متعلمة، إذ أضحى الانضمام للجماعات الجهادية بغية الموت في جبهات القتال طريقا اختاره العديد ممّن غلب عليه الشعور بالفراغ واليأس والاحباط في وطنه، أو حتى اللجوء إلى الانتحار.

رضا اليحياوي الشاب الذي لم يتجاوز الـ 26 عاما وكآلاف الشباب من أبناء جيله، حاول بعد تخرجه من الجامعة العثور على وظيفة محترمة توفّر له مورد رزق يحفظ كرامته، وبعد عدة سنوات من البحث نجح في إحدى المناظرات ليتم تعيينه في وظيفة قبل أن يتفاجأ بحذف اسمه من القائمة.. حادثة أثرت في نفسه كثيرا وكانت دافعا لانتحاره من فوق الاعمدة الكهربائية ووضع حد لحياته ودفن أحلامه.

والده عثمان اليحياوي فسر تصرّف ابنه على انه تعبير منه على احساس القهر  والظلم والإهانة التي تعرض لها بعد حرمانه من حقه في الوظيفة، مشيرا إلى أن ابنه كان ضحية الفساد الذي مورس عليه والتهميش والحرمان والاهمال الذي عاشه، قائلا في تصريح لـCNN بالعربية " طالما أن الفساد متواصل في هذه البلاد والبطالة في ارتفاع سيموت شباب آخرون".

حالة اليحياوي ليست الوحيدة وهي عينة من عدة حوادث انتحار متكررة عرفتها المحافظة اختزلت أغلبها الحال الذي أصبح عليه شبابها، فالقصرين غالبا ما تتصدر المعدل الوطني في عدد حالات الانتحار وعلى سبيل المثال في شهر جويلية الماضي وبحسب إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية سجلت المحافظة 30 حالة انتحار من مجموع 50 حالة شهدتها البلاد.

وفي هذا السياق يقول محمد علي الطاهري عضو في اتحاد المعطلين عن العمل، إنّ أكثر ما يحفّز الشباب على الانتحار هو انسداد الأفق الحقيقية أمامه والإحساس بالعجز عن تحقيق أحلامه إضافة إلى فشله في لفت الأنظار لمشاكله.

 ويحمّل الطاهري المسؤولية للحكومة التي يعتبر أنها ساهمت بصفة غير مباشرة في تشجيع عديد الشباب على زهق أرواحهم، لأنها حسب رأيه لا تتحرك ولا تتناول مطالبهم بجدية إلا بعدما تحصل حادثة انتحار وتسوء الأوضاع في البلاد ويتهدد عرشها وهو ما جعل عديد الشباب يسلك  طريق الموت للفت الانتباه لمشاكله.

ووأوضح الطاهري لـ CNNبالعربية، أن الوضع الاجتماعي شديد الصعوبة والفراغ  يعدان من أهم الأسباب التي دفعت الشباب في القصرين إلى التخلي عن كل ما ضحّى من أجله وعن أمانيه لاختيار الموت سواء بطريقة الانتحار أو الالتحاق بصفوف التنظيمات الجهادية التي سرعان ما يقع ضحية اغراءاتها المادية والمعنوية.

وأمام الفراغ الحاصل والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وجد شباب القصرين أنفسهم فريسة للتطرف الديني منذ أن اقتحمت الجماعات السلفية أحياءها ومساجدها واستوطن الارهابيون جبالها، وما تزال المحافظة الحدودية مع الجزائر المعروفة بتضاريسها الجبلية الصعبة تتصدر نشرات الأخبار في وسائل الإعلام، فاسمها أصبح مقترنا بالإرهاب وأحياؤها باتت بؤرة للتطرف الديني وشبابها صار خزانًا اجتماعيًا للجماعات الدينية المتشددة.

أسامة ورغي من حي الزهور الشعبي أوضح أنّ محافظته خسرت العديد من شبابها من المتعلمين وغير المتعلمين ومازالت تودع يوما بعد يوم أرواحًا جديدة سواء في جبهات القتال في مناطق التوتر على غرار سوريا والعراق وليبيا أو في صفوف أبنائها الذين تحولوا إلى إرهابيين وسكنوا الجبال، مرجعا ذلك إلى أن الشباب هناك أصبح مؤهل لقبول كل الظواهر الاجتماعية السيئة واختار المجازفة بحياته نتيجة فقدان الأمل في المستقبل وغياب التأطير والمساندة من الدولة.

وعلق قائلا: " طبيعي أن يقع الشباب فريسة للدعوات الجهاد وهدف سهل للتنظيمات الإرهابية، فهو في الوقت الذي كان ينتظر فيه مشاريع تنموية تشغيلية ودعما من الدولة وجد ضالته في الجماعات المتشددة التي قامت بإغرائه ماديا ومعنويا واستغلت غضبه وسخطه من الدولة لتوجيهه نحو مسلك العنف والدم وأقنعته بالانضمام لها للقتال في صفوفها أوتنفيذ العمليات الانتحارية".

ومن وجهة النظر الاجتماعية يرى طارق بلحاج محمد، الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع، أن الجماعات الجهادية استفادت من حزام الفقر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد التونسية لتقوم باختراقات ثقافية وأمنية نحو الشباب، مضيفا أن غياب دور الدولة التنموي في محافظة القصرين التي تعد من الخارطة التي لا تتوفر على الشروط الدنيا للحياة المقبولة جعل شبابها عرضة سهلة للاستقطاب، لأن الفقراء هم الهدف المفضل للجماعات السلفية الجهادية نظرا لحاجياتهم المادية ولوجودهم في مناطق يضعف فيها وجود الدولة لحمايتهم.

وما يقلق أكثر في محافظة القصرين أن فكرة الانتحار أو الجهاد أو الرحيل في قوارب الموت لاتزال تراود عديد الشباب وذلك في صورة تواصل إهمال وطنهم لهم وعدم خلق مخططات تنموية تستجيب لمطالبهم خاصة المتعلقة بتوفير الوظائف وتلبي احتياجاتهم الاجتماعية وتنهض بمناطقه وتحسن مستوى عيشهم في إطار من العدالة والمساواة بين الجميع.