الرباط، المغرب (CNN)— تجدّد النقاش مجددًا حول نية حكام الدول المغاربية الدفع بتفعيل الاتحاد المغاربي الموجود على الورّق وشبه المجمد في الواقع، بعد برقيات تبادلوها في الذكرى الـ27 لإعلان قيام هذا الاتحاد، إذ اعتبر مراقبون أن هذه الدعوات الرسمية مهمة لكنها قيمتها تبقى ضعيفة ما لم تتبعها إجراءات حقيقية على الميدان.
ومن ضمن البرقيات المهمة، تلك التي وجهها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى ملك المغرب، محمد السادس، قال فيها إن "وحدة المغرب العربي باتت أكثر من ضرورية، في وقت تتعرّض فيه المنطقة إلى تحديات على جميع المستويات"، مشيرًا إلى أن تحقيق الوحدة "يجسد طموح شعوب المنطقة إلى المزيد من الاندماج والوحدة والتضامن"، كما كانت هناك برقيات أخرى وججها بوتفليقة إلى الدول الثلاث المتبقية.
كما وجه العاهل المغربي برقية إلى حكام المنطقة، قائلًا إن المملكة تعتبر الاتحاد المغاربي "خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه، وإنها لن تدخر جهدا لمواصلة العمل من أجل تحقيق الاندماج بين دوله الخمس، وإقامة نظام مغاربي جديد أساسه الإخاء والثقة والتضامن وحسن الجوار، وتجاوز حالة الركود المؤسساتي التي تحول دون اضطلاع الاتحاد بالدور المنوط به على مختلف المستويات".
وراسل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي نظيره الجزائري برسالة تتضمن مقترحات لتفعيل الاتحاد المغاربي، وبنائه من جديد ككتلة لمواجهة التغيّرات التي يعرفها المجتمع الدولي.
ويرى أحمد طيلب أستاذ العلوم السياسية بجامعة خميس مليانة في الجزائر أن التحديات التي تشهدها بلاده، خاصة الأمنية بسبب تنامي الظاهرة الارهابية والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، يدفع إلى "ضرورة تفعيل كل الآليات الدبلوماسية بين دول الجوار لمواجهة هذه التحديات في إطار مقاربة شاملة تتعدى التنسيق الأمني إلى تقارب اقتصادي واجتماعي كبيرين".
وتابع طيلب لـCNN بالعربية: "تفعيل الاتحاد لا يتأتى إلّا بتسوية كل الملفات العالقة بين هذه الدول كملف الصحراء الغربية ومشكل الحدود وغيرها، حتي يجعل من المنطقة فضاء للتبادل الحر والتعاون، وهذا ما أكدته مساعي رئيس الجمهورية والدبلوماسية الجزائرية في كل مرة في دعمها لكل الجهود الوحدوية في المنطقة انطلاقا من المقومات والثوابت الوطنية الراسخة".
وزاد طيلب: "لعل دخول الجزائر في مرحلة جديدة من الاصلاحات الدستورية من أجل تعميق المسار الديمقراطي، وكذا تعزيز مجال الحقوق والحريات وترسيخ العمل المؤسساتي، من شأنه أن يدفع بالتنسيق وتقارب وجهات النظر بين دول المغرب العربي علي الصعيد الرسمي المؤسساتي وحتى على المستوى غير الرسمي في اطار منظمات المجتمع المدني".
ومن أكبر المعيقات التي تواجه الاتحاد المغاربي هناك الحدود البرية المغلقة بين المغرب والجزائر وكذا النزاع في منطقة "الصحراء الغربية"، وهناك كذلك اختلاف التوجهات السياسية بين الدول الخمسة المشكّلة للاتحاد، ممّا جعله تنظيمًا ضعيف التأثير، لا يتوّفر على آليات أو اتفاقيات مهمة تمكّن من تجاوز حالة الركود في العلاقات.
ويقول إدريس لكريني، أستاذ جامعي مغربي، ورئيس منظمة العمل المغاربي، إن الدعوات الرسمية بين حكام الدول المغاربية تبقى مهمة وتبرز أولوية بناء اتحاد حقيقي، كما أنها تعدّ "خطابًا متفائلًا في ضوء منطقة تشهد الكثير من التحديات الأمنية، كتحرك الحركات الإرهابية في الساحل وتدهور الوضع في ليبيا، لكنها، أي الدعوات، تبقى مطالبة بالتسجيد على أرض الواقع عبر سياسات ميدانية".
ويضيف لكريني:" الجزائر مطالبة بفتح الحدود وبمراجعة موقفها فيما يخصّ ملف الصحراء كي نصل إلى حل سلمي ينهي النزاع. وعموما فتكلفة عدم تفعيل الاتحاد باهضة للغاية، فاستمرار غلق الحدود البرية بين المغرب والجزائر يكلّف الكثير اقتصاديا وكذلك يفاقم من المعاناة الإنسانية على الحدود. على دول المنطقة أن تستحضر مصالح شعوبها وأن تعمل على تجاوز خلافاتها كي تنتهي حالة الجمود".
*تقرير بمساهمة حمزة عتبي، من الجزائر.