تونس (CNN)-- أن تضع المرأة أحمر الشفاه على شفتيها من أجل التزين وجلب الانتباه لجمالها هذا أمر عادي ومألوف، لكن أن يضع الرجل ذلك يصبح الأمر ربما مدعاة للسخرية والاستغراب. هذا ما حدث في تونس في اليوم العالمي للمرأة عندما قام العديد من الرجال التونسيين بوضع أحمر الشفاه ونشر صورهم عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي للتعبيرعن تضامنهم مع المرأة في بلادهم ومناهضة كل أشكال العنف الموجهة ضدها.
الحملة التي أطلقتها جمعية فرنسية ووصل صداها إلى تونس تبناها عدد من الرجال التونسيين وقاموا على امتداد أسبوع بحملات تعبئة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "إني رجل، وإذا رأيت امرأة تعنّف أمامي فانّي ألتزم بالدّفاع عنها"، لكنها واجهت في المقابل انتقادات كبيرة من عدد آخر من الرجال.
سامي زكري أحد الرجال الذين شاركوا في هذه الحملة وقام بنشر صورته على موقع فيسببوك وانستغرام يقول لـCNN بالعربية إن هذه المشاركة تعد الثانية بالنسبة له وأن الأسباب التي دفعته لتسجيل مشاركته هي "التعبير عن استنكاره لممارسات العنف الموجهة ضد المرأة من طرف الرجال وإبداء تعاطفه تجاهها"، مشيرا إلى أن وضع أحمر الشفاه في مثل هذه الحالات "لا يعد انتقاصا من قيمة الرجولة مثلما يروج البعض وإنما التزام بحماية المرأة ومساندتها في استرداد حقوقها".
وقال إن "وجود المرأة في مجتمع تسيطر عليه العقلية الذكورية ويتصرف أحيانا برجعية تجاهها، جعلتها تكون عرضة لعنف الرجل"، مضيفا أن المرأة "يجب أن تكون قوية من أجل كسر الصورة النمطية التي ارتبطت بها والدفاع عن حقوقها أمام الرجال المتسلطين".
وعن هذه الحملة يقول معز بوراوي لـCNN بالعربية إن "الأهداف النبيلة لهذه الفكرة جعلت عدد من الرجال التونسيين يتجرؤون على وضع أحمر الشفاه ونشر صورهم على المواقع الاجتماعية"، معتبرا أن ذلك فيه "دلالة على أن الرجل التونسي واع بحقوق المرأة ومستعد للمشاركة في الدفاع عنها خاصة بعد تنامي ظاهرة العنف والتحرش الموجه ضدها في البلاد".
من جهته أوضح الناشط الحقوقي ظفرالله الشافعي أن هذه "الحملة جيدة لأنها ستجلب الانتباه وأن الفرنسيين نجحوا في ذلك عندما قاموا بحملة لبس التنورة كتضامن مع المرأة"، مضيفا أنها "حملة موجهة أكثر للنخبة و لن يفهمها الشعب و خاصة في القرى و الأرياف أين ترتفع معدلات تعنيف المرأة".
واعتبر ظفرالله في تصريح لـCNN بالعربية أن هذه الحملة غير مجدية بما فيه الكفاية، مشيرا إلى أن المطلوب اليوم هو "حملة إعلامية صادمة تبين للناس حقيقة العنف الموجه ضد المرأة في تونس وتظهر نساء معنفات أو حالات وفاة لنساء جراء العنف"، داعيا إلى ضرورة المصادقة على قانون تجريم العنف الموجه ضد المرأة.
وبحسب دراسة أنجزها مركز البحوث والدراسات والتوثيق حول المرأة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين ونشرت نتائجها الأسبوع الماضي، تتعرض 53,5 بالمائة من النساء إلى أحد أشكال العنف بجميع أنواعه الجنسي والنفسي والجسدي في الفضاء العام في تونس.
وتوصلت الدراسة نفسها إلى أن 75,4 بالمائة من النساء يتعرضن إلى العنف الجنسي على غرار التحرش ومحاولة اللمس أو الايحاء أو المضايقات الكلامية وغيرها علما وأن الدراسة شملت عينة مكونة من 3873 مستجوبا من النساء والرجال موزعة على مختلف أنحاء الجمهورية تراوحت أعمارهم بين 18 و 64 سنة.
وانتقد حميد العلوي هذه المبادرة واصفا إياها بـ"السخافة والغباء والتقليد الأعمى" قائلا " من يريد أن يدعم المرأة، يذهب للمطبخ ليعينها على قضاء شؤون البيت في يوم إجازته ويعاملها كزوجة ويتوقف عن معاملتها كخادمة، أما أحمر الشفاه فهذا خاص بالمخنثين وأصحاب العقول الفارغة".
من جهتها هاجمت الصحفية منى المحروقي المهتمة بالكتابة عن قضايا المرأة، حملة وضع أحمر الشفاه التي تبناها عدد من الرجال، معتبرة أن "الرجال هم سبب العنف الموجه ضد التونسيات اللاتي لن يعد يجدن الاحترام في الشارع يوما بعد يوما بسب تصرفات الرجال المقززة".
وقالت لـCNN بالعربية تعليقا عن الحملة . " أنا ضد هذه الفكرة صراحة لأننا مجتمع محافظ لا يتقبل مثل هذه الحركات والمبادرات التي لا يمكن أن تنجح إلا في البلدان التي أطلقتها والتي لا ينبغي الاقتداء بها في كل شيء، لن يعيرهم أي أحد الاهتمام بل سيستهزؤون منهم، ينبغي مخاطبة المجتمع باللغة التي يفهمها ولا بأفكار دخيلة عليه وأنا أعتقد أن التحسيس بظاهرة العنف ضد المرأة يبدأ من داخل الأسرة".