التار ولد أحمده، موريتانيا (CNN)-- في جميع دول العالم، تكون المصحات النفسية هي المكان الأنسب لإقامة المختلين عقليا، أما في موريتانيا فإن بعض هؤلاء المختلين عقليا، هم من يتولى مهمة تنظيم المرور وفك الاختناقات المرورية التي تعرفها أبرز التقاطعات الطرقية في العاصمة انواكشوط وفي بعض مدن الداخل .
" بكار" و " يورو صار " و "الحسين وان " هي أسماء من ضمن عدة أسماء أخرى من هذه الفئة، قرروا أن يتخذوا من تنظيم وتسهيل حركة السير في العاصمة مهنتهم، وقد كافأهم المجتمع - في ظل غياب المجموعة الحضرية - بأن خلد أسماءهم بربطها بملتقيات الطرق التي ينظمونها.
"بكار" هو أشهر القوم علي الإطلاق وهو رجل أمن سابق، سبق وأن تعرض لحادث سير تسبب له في مشاكل نفسية و عصبية، لا تزال بعض نوباتها تراوده في بعض الأحيان، يمتلك موهبة فذة وقدرة فائقة علي تنظيم المرور في حارته ( حوزته الترابية ) حيث يداوم في وقت مبكر كل صباح وهو يتأبط عصاه التي ينزل بها علي من يحاول مخالفة تعليماته.
يقول إن فكرة التطوع بتنظيم السير جاءته عندما كان يستقل سيارته التي علقت لمدة ثلاث ساعات عند نفس ملتقى الطرق قبل سنتين أو أكثر، حينها قرر أن يتطوع بجعل هذا الملتقي يتمتع بالسلاسة و الانسيابية، فكانت بداية مشوار عودته إلى ممارسة النشاط الذي أحبه.
أما عن تجاوب المواطنين معه، وانطباعاتهم عنه، فيقول إنهم يتفاوتون فيه، فمنهم من يشجعه- وهم الأغلبية-، ومنهم من يعلق تعليقات ساخرة، ومنهم من يكون غاضبا لعدم إعطائه الأسبقية في المرور.
وعلي بعد 850 كلم من العاصمة نواكشوط وبالتحديد في مدينة "لعيون" عاصمة ولاية " الحوض الغربي" وفي ملتقي "باماكو" ينتصب " الحسين وان" بزيه العسكري الموشح بأغلب الرتب العسكرية، وهو أكثر زملائه حظوة، حيث سبق له أن التقى الرئيس الموريتاني ومنحه دعما ماديا تثمينا لجهوده.
الجهة المسئولة عن أمن الطرق وتسييرها في البلاد، وفيما يشبه اتفاقا ضمنيا بينها وبين هؤلاء المختلين عقليا تتغاضى عن تصرفاتهم هذه، ولا تتدخل في الحوزة الترابية لأي منهم إلا عند غيابه، وأفراد من هذه الجهة يثنون علي دورهم في سلاسة وانسيابية السير في العاصمة.
الوكيل سيد أحمد وهو عنصر من أفراد " التجمع العام لأمن الطرق" يعترف بأن بعض هؤلاء المختلين عقليا، أكثر كفاءة، وأكبر قدرة من بعض أفراد الجهاز الرسمي الذي أنفقت عليه الحكومة أموالا طائلة في تكوينه وتدريبه، وذلك بفعل تراكم التجربة لديهم، وبفعل عامل الخبرة، و التعود - بكار مثلا- .
محمد ولد البخاري سائق سيارة أجرة، يقول إنه تعود علي سلك الطريق الذي يمر بملتقي " بكار"، فرغم أن بكار أحيانا يتأخر في منح إشارة السماح لهم بالمرور، إلا أنه يبقى أفضل من أن يذهب إلي ملتقي طرق آخر ربما يأخذ قطعه من الوقت عدة ساعات، وهو يرى أنه على جهاز أمن الطرق أن يتعاون مع هؤلاء الأشخاص، وأن يقدم لهم المساعدة، فدورهم في تخفيف زحمة السير يشهد به الجميع، حسب تعبيره .
هذه الظاهرة استوقفت بعض الكتاب الموريتانيين المشهورين فاقترح الكاتب " حبيب الله ولد أحمد " في سياق لا يخلو من طرافة أن تستحدث وزارة الداخلية مفرزة خاصة جدا من شرطة المرور كل عناصرها من أصحاب الاختلالات النفسية والعقلية، داعما اقتراحه بميزة أن هذه المفرزة لن تكلف الدولة زيا خاصا كل سنتين، ولا قائدا جديدا كل سنة، ولا تدريبا ولا سيارات ولا رواتب ولا أسلحة ولا حواجز ولا ثكنات ولا أية تجهيزات.