هذا المقال بقلم عمرو حمزاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
يوم الأحد الماضي، أجريت في ثلاثة ولايات ألمانية انتخابات برلمانات الولايات وحكوماتها (أو للدقة ائتلافاتها الحاكمة.)
في بادن فيرتيمبرج الواقعة في الجنوب الغربي، وهي من أغنى الولايات وتتركز بها صناعات تقليدية وصناعات متطورة عديدة ولديها اقتصاد زراعي نشيط وتسجل منذ سنوات أفضل متوسط لدخول الأفراد في ألمانيا، حقق حزب الخضر أفضل نتائجه على مستوى انتخابات الولايات منذ بدأت مشاركته في الحياة السياسية الألمانية في ثمانينات القرن العشرين مستحوذا على أكثر من ٣٠ بالمائة من الأصوات. خسر الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب المستشارة ميركل، ما يقرب من ١٢ بالمائة من الأصوات التي حصل عليها في انتخابات بادن فيرتيمبرج السابقة ٢٠١١ (تجرى انتخابات برلمانات الولايات الألمانية دوريا كل ٥ سنوات) وجاء في المركز الثاني بعد الخضر ب٢٧ بالمائة من الأصوات. في المركز الثالث لم يأت كعادته في الجنوب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو شريك المستشارة ميركل وحزبها في الحكومة الفيدرالية الحالية. لم يحصد الاشتراكي الديمقراطي سوى 12.7 بالمائة من الأصوات، تقريبا نصف أصواته في ٢٠١١. وتقدم عليه، في تحول صادم، الحزب اليميني المتطرف "البديل لألمانيا" الذي حاز ثقة 15.1 بالمائة من الناخبات والناخبين، علما بأن هذا الحزب تشكل وأشهر منذ سنوات معدودة ولم يشارك في انتخابات الولاية الغنية من قبل ويتسم خطابه السياسي بالعداء للأجانب وكراهية اللاجئين وشعبوية رؤيته الاقتصادية والاجتماعية التي تتشابه مع رؤى الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة في عموم أوروبا.
***
في راينلاند بفالتس الواقعة في وسط الجزء الغربي من ألمانيا، وهي أيضا ولاية غنية ذات مؤشرات اقتصادية واجتماعية جيدة، حقق الحزب الاشتراكي الديمقراطي نجاحا مبهرا باستحواذه على أكثر من ٣٦ بالمائة من أصوات الناخبات والناخبين، متجاوزا بذلك نسبة الأصوات التي حصدها في انتخابات ٢٠١١ وكانت حول ٣٤ بالمائة. في المركز الثاني، جاء الحزب المسيحي الديمقراطي الذي لم يقنع سوى ما يقرب من ٣٢ بالمائة من الهيئة الناخبة بتأييده بعد أن كانت نسبة أصواته حول ٣٤ بالمائة في ٢٠١١. وبينما تراجع حزب الخضر على نحو كارثي من 15.4 بالمائة من الأصوات في ٢٠١١ إلى 5.3 بالمائة، حصد يمينيو "البديل لألمانيا" في مشاركتهم الأولى في انتخابات الولاية 12.6 بالمائة وليصدموا النخب التقليدية والمجتمع السياسي الألماني مجددا.
في ساكسونيا أنهالت الواقعة في وسط الجزء الشرقي من ألمانيا، وهي من أفقر الولايات وأكثرها معاناة من معدلات بطالة مرتفعة ونزوح مستمر للشباب ومتوسطي العمر بعيدا عنها وتصاعد في الأعمال العدائية ضد الأجانب واللاجئين سجلته السنوات القليلة الماضية، حملت نتائج الانتخابات فوز الحزب المسيحي الديمقراطي بما يقرب من ٣٠ بالمائة من الأصوات، مسجلا تراجعا محدودا مقارنة بانتخابات ٢٠١١. في المركز الثاني، أيضا في مشاركتهم الأولى في انتخابات الولاية، جاء يمينيو "البديل لألمانيا" بنسبة أصوات بلغت 24.2 بالمائة. الأصوات التي استحوذ عليها اليمينيون خصمت من أصوات الحزب اليساري "اليساريون" الذي شغل المركز الثاني في برلمان الولاية بعد انتخابات ٢٠١١ بنسبة 23.7 بالمائة ولم يحصل سوى على 16.3 بالمائة في انتخابات الأحد الماضي. خصمت أصوات اليمينيين أيضا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي لم يتجاوز نسبة ١٠ بالمائة من الأصوات إلا بقليل، خاسرا بذلك أكثر من نصف الأصوات التي حاز ثقتها في ٢٠١١ (21.5 بالمائة).
***
المشترك بين انتخابات الولايات الثلاثة هو، أولا، اندفاع قطاعات لا يستهان بها في الهيئة الناخبة الألمانية إلى اليمين وتأييدهم الواعي لحزب يميني متطرف لا يملك سوى خطاب العداء للأجانب ومقولات الكراهية والرؤى الشعبوية (بل أن الرئيسة الحالية لحزب "البديل لألمانيا" تورطت علنا في المطالبة بإطلاق النار على اللاجئين حال تجاوزهم الحدود). ويعبر الاندفاع يمينا في الولايات الثالثة عن نجاح الأحزاب والحركات المتطرفة في استغلال أزمة اللاجئين التي تثقل كاهل المجتمع الألماني وأمور أخرى متعلقة بالسياسات الاقتصادية للحكومة الألمانية داخل الاتحاد الأوروبي (خاصة المساعدات المالية الألمانية لليونان وغيرها من الدول الأوروبية المتعثرة ماليا) في إثارة الناخبات والناخبين ضد السياسات المتوازنة لحكومة المستشارة ميركل التي فتحت أبواب ألمانيا لاستقبال اللاجئين وتمسكت بأهمية الاحتفاظ باليونان داخل الوحدة النقدية الأوروبية. وتتساوى في ظاهرة الاندفاع يمينا ولاية غنية كبادن فيرتيمبرج وكراينلاند بفالتس مع ولاية فقيرة كساكسونيا أنهالت، وهو ما يؤشر على كونها ظاهرة عامة. وتتساوى هنا ألمانيا كمجتمع متقدم ودولة ديمقراطية مع غيرها من المجتمعات المتقدمة في أوروبا، وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تشهد تناميا مقلقا لليمين المتطرف والشعبوي وللأحزاب والحركات التي تعبر عنه وللسياسيين الذين يستغلون غضب الطبقات الوسطى لدفعهم لتأييد مقولات ساذجة ورؤى سطحية مضادة للفكرة الديمقراطية (ظاهرة ترامب وتوابعها وأشباهها).
ثانيا، فيما هو مشترك بين انتخابات الولايات الثلاثة، هو تراجع الأحزاب التقليدية، خاصة الحزبين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي، بعد مشاركتها لفترات مختلفة في حكومات الولايات وحين تغيب عن صدارتها القيادات ذات القبول الشعبي. فقط في ولاية راينلاند بفالتس، نجح الاشتراكي الديمقراطي في تحسين نسبة أصواته في انتخابات ٢٠١٦ مقارنة بانتخابات ٢٠١١ نظرا لشعبية رئيسة وزراء الولايات السيدة مالو دراير. وينطبق ذات الأمر على الأحزاب الأحدث نسبيا كالخضر الذين نجحوا للمرة الثانية في ولاية بادن فيرتيمبرج في حسم مقعد رئيس وزراء الولاية لمصلحة مرشحهم صاحب معدلات القبول الشعبي المرتفعة، فينفريد كريتشمان. ويؤشر على ظاهرة مقلقة أخرى في المجتمعات المتقدمة وديمقراطياتها التي تتراجع بها أهمية المؤسسات الحزبية المستقرة لإدارة شؤون السياسة والحكم والسلطة ويحل محلها إما القيادات ذات القبول الشعبي أو الكيانات الحزبية الشعبوية التي تعتاش على الغضب والخوف ولا تطرح سوى العداء والكراهية، ومعهما تنتفي إمكانية السياسة المسؤولة والرشيدة.