الجزائر (CNN)-- رغم أن النزاع في ملف الصحراء الغربية يوجد رسميًا بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، إلّا أن اسم الجزائر يحضر كذلك في هذا النزاع على المستوى الإعلامي. حضور يعود بالأساس إلى احتضان الجزائر لمخيّمات تندوف، مقر البوليساريو ودعمها المتواصل لهذه الجبهة، رغم تأكيد الجزائر ولو على الصعيد الرسمي أنها ليست طرفًا في النزاع.
ولعل من وراء هذا الدعم الجزائري الذي تحظى به البوليساريو مواقف تاريخية تتعلق بالتوتر الذي طبع علاقات المغرب والجزائرمنذ السنوات الأولى لاستقلال الدولتين، وتباعدها على المستويين السياسي والعسكري، وكذا تضارب مصالح دولتي الاستعمار اسبانيا وفرنسا على اعتبار أن هذه المنطقة تعتبر من مناطق نفوذهما التقليدية.
دعم لاعتبارات تاريخية أم تصفية حسابات؟
وضمن هذا الإطار، أرجع الدكتور "بوحنية قوي" أستاذ العلوم السياسية خلفيات الدعم إلى اعتبارات تاريخية فيرى انه مع مرور الوقت "أصبحت القضية الصحراوية جزء أساسي واحد من مسلمات السياسة الخارجية الجزائرية، على اعتبار أن قضية الصحراء الغربية مسألة تصفية استعمار وتراها الجزائر آخر المستعمرات الإفريقية".
ولذلك "استطاعت الجزائر تجنيد دبلوماسيتها وفق رؤية خاصة، بحيث تم الاعتراف بقضية الصحراء الغربية من طرف دول الاتحاد الإفريقي وهو ما جعل المغرب يخرج من هذا التكتل الإفريقي"، يضيف بوحنية في حديثه لـ CNN بالعربية.
وعلى خِلاف ما سبق ذكره، يقول الضابط الجزائري السابق، أنور مالك في حديثه لـ CNN بالعربية إن سبب هذا الدعم الجزائري لا يتعلق بما تعلنه الجزائر من "عدالة القضية" فقط، "بل لأنها (الجزائر) وجدت فرصة لتصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب، حيث إن له أطماع معروفة في الصحراء الجزائرية وأيضا توجد منافسة على الزعامة في المغرب العربي".
ماذا تستفيد الجزائر من دعمها للبوليساريو؟
ولم يعد التقارب والتنسيق بين الجزائر والبوليساريو حبيس الكتمان، فقد أضحى ظاهرا للعلن، وما يعزز صحة هذا الطرح هو اجتماع رفيع المستوى برئاسة الوزير الأول الجزائري ورئيس وزراء الجمهورية التي تعلنها البوليساريو، المنتظم مؤخرا بالجزائر، بحضور القيادات الأمنية والعسكرية ووزراء الخارجية.
وكان موضوع هذا الاجتماع التشاور حول المسائل الدبلوماسية والأمنية والإنسانية ذات الاهتمام المشترك، وفقا لبيان الوزارة الأولى.
ومن هذا المنطلق، يرى مالك أن الجزائر تخسر الكثير من الثروات الطائلة لأجل جبهة البوليساريو على حساب الجزائريين، مستدركا كلامه قائلا: "لكن في الوقت نفسه كسبت إشغال المغرب في القضية الصحراوية عن أطماعه المعروفة فيما يسميها بالصحراء الشرقية".
واستطرد مالك في هذا الشأن قائلا: "لو نقيس الأمور بمنطق الربح والخسارة، سنجد الجزائر تخسر الكثير والمغرب أيضا يخسر، ولكن بمنطق المبادئ فالشعب الصحراوي يظل يعاني في الداخلة (مدينة بالصحراء الغربية) ومخيمات تيندوف على حد سواء".
ويضيف أنور مالك: "لكن تبقى الظروف الاقتصادية للمغرب أفضل بكثير على كل المستويات في حين ظروف الجزائر سيئة وأي تصعيد في الصحراء الغربية سيزيد من حجم الخسائر الجزائرية أكثر".
ويناقضه في الرأي حول هذه المسألة، بوحنية، موضحا :"يخطئ من يتوقع أن الجزائر تنتظر مقابلًا من خلال دعمها للقضية الصحراوية"، مبررا كلامه بأن الرؤية الجزائرية ترى أن "الجزائر ليست طرفا في المشكلة وإنما مفتاح للحل وإذا كان اللاجئون الصحراويون هم في مخيمات تيندوف فوق التراب الجزائري فذلك يعود لاعتبارات جيوسياسية ترتبط بالجوار ليس إلا".
البوليساريو جزء من شبكة الحلول الأمنية للجزائر
ويرى الباحث في الشؤون الإفريقية والأمنية سيد أحمد أبصير في حديثه لـ CNN بالعربية أن رؤية الجزائر لمخرجات القضية الصحراوية هي بزاوية "أمنية معقدة"، فتأزم الأوضاع الأمنية –حسبه- هو "ما أضحى محرّكًا لأهم الملفات التي أضحت تحكم العلاقات الثنائية الجزائرية-الصحراوية دون إغفال المسائل السياسية معا".
ويوضح أبصير نظرته قائلا: "التركيز أضحى على مسألة الإدارة الأمنية للحدود و تبادل المعلومات الاستخباراتية و كذا الحد من حالة التوتر المتصاعدة بين البوليساريو و المملكة المغربية"، معللّا كلامه بأن الجزائر تنظر إلى البوليساريو على أنه "فاعل لا يمكن التنازل عنه كونه جزء من شبكة الحلول الأمنية في المنطقة".