(هذا المقال بقلم سارة سوجار، ولا يعكس وجهة نظر شبكة CNN)
-- تربيتُ في أحد الأحياء العريقة بمدينة الدار البيضاء. بنيانه يعكس قدمه و جذوره القديمة المنسوبة لأيام الاستعمار، يحكي بين حيطانه قصصا كثيرة تجمع بين القديم و الجديد.
في حينا قانون بُني على أعراف و تقاليد توارثتها الاجيال، تعايشت فيما بينها وتناقلتها بكل أمانة، يسهر حكماؤنا وقدماؤنا على استمرارية هذه القوانين وتمريرها للخلف بكل حذر.
كنا نعيش و نعلم أن بيننا صاحب البشرة السوداء، ممتهنة الجنس، المثلي، العشاق ، الأمهات العازبات، أصحاب التجارة المقننة وغيرها.. كنا نتربى على أننا أبناء حي واحد و علينا أن ندافع عن بعضنا البعض، تحت مسمى التضامن.
كنا نتقاسم التعازي والأفراح، المرض و الحريرة في رمضان.. كنا نعلم أن الفرح واحد و المُصاب واحد.
كنا نتألم لوفاة أحد منا ونفرح لازدياد وافد جديد، كانت هذه قيمنا التي تربينا على احترامها باعتبارها جزءًا من ثقافتنا المغربية.
مرّت الايام وأصبحت شابة يافعة، غادرت مدينتي الصغيرة والجميلة لأسبح في عالم غريب.. كبرت وكبر محيطي وهمومي وسياق وطني.
إنه عالم غريب عني وعن كل من تربى في أحضان بيئتي، أطفال يموتون في أحداث شغب بملعب كرة القدم، نساء يعتدى عليهن في واضح النهار ووسط العموم، مثليون يُهجم عليهم في فضاءاتهم الخاصة، طفلات يُغتصبن باسم القانون، أطفال ينتهك شرفهم باسم السياحة، مهاجرون ينعتون بأشرس السباب والنعوت، قتل وتحليل للدماء هنا وهناك.. بشر تطبعت مع العنف و الارهاب و الدم.
تزايد في وتيرة الجريمة المرتبطة برفض حق الاختيار،نهاجم كل من لا يشبهنا في الجنس، في الدين، في اللون و في العرق.
يحاولون صنع نموذج واحد وموحد للسيطرة والتحكم في العالم،ي رسمون الإطار ويشرعنون ممارسة العنف على كل من هو خارج القاعدة العامة، لامجال للاختلاف ولا للتنوع.
قاعدة ثابتة وحيدة وهي تطويع الجميع وعزل المختلف ليصبح شاذا في كل المستويات.
كل هذا وسط قانون لم يستطع أن يحسم في العلاقة بين الشرع و التحولات المجتمعية ، إعلام يحصد النقرات والارباح بالفضائح و فيديوهات الارهاب والعنف على حساب نشر ثقافة التفاهة و التطبيع مع الدم ، استباحة الارهاب في العالم وشرعنته باسم تراكم المال و الدفاع عن الدين.. ووسط ثقافة فردانية نما حس الانانية والانتصار للذات الشخصية على حساب الاخرين، ثقافة تحاول أن تنهي مع قيم عالمي الصغير، قيم التضامن و التعايش و التسامح.
قيم تحترم عالمك الخاص وتترك لك مجالا لتتقاسم معك العام، قيم يحاولون ترويضها و تشويهها انتصارا لثقافة الاستهلاك وتسليع البشر، كل ذلك بحثا عن المال و السلطة.
لا نريد أن تكون لنا نفس القناعات، ولا أن نسبح في نهر نفس الإيديولوجيا، لكن علينا أن نتفق على قواعد العيش المشترك، أن نسلم أننا مختلفون في كل شيء لكن علينا أن نحترم هذا الإختلاف، فنحن لسنا أوصياء على اختيارات أحدهم لكننا أوصياء على ضمان الأمن والسلام بيننا.
أريد أن أعود إلى عالمي الصغير، عليهم أن يفهموا أن ثقافة العنف دخيلة علينا، ثقافة الرفض والإقصاء والتحقير لم تكن يوما من شيمنا.
كل من يحاول تثبيت هذه السلوكات يحاول ان يطمس تاريخاً وثقافة ننتمي إليها ليجعل هذا الوطن فريسة سهلة يشترى فيها العباد و ويباعون.
إن حياة البشر وقيمهم و تاريخهم ليست سلعة حتى نلعب بمضامينها ،إنها الهوية والانتماء و أهم من أي شيء، إنها صمام الامن و الامان.
أعلم أن المغرب الحقيقي هو ذلك العالم الصغير المختلف و المتعايش.. و لن نسمح بتفكيكه و تلويثه كي لا نصبح يوما بضاعة تُفجر نفسها أو تعرض مفاتنها للأقوى والأغنى.