رأي لعلاء العيساوي-- أحببت وطني..

العالم
نشر
3 دقائق قراءة
تقرير علاء العيساوي
رأي لعلاء العيساوي-- أحببت وطني..
Credit: getty images

(هذا المقال بقلم علاء العيساوي ولا يعبّر عن وجهة نظر شبكة CNN)

--في صغري أحببت وطني..  بل أكثر من ذلك، عشقته و بكيت من أجله.

هذا لا يعني أنني لا أحبه الآن، بل لازلت أحبه لكن ليس كما في الصغر ... الآن أدعو له بالخير و أمُرّ!!

كنت احتفظ بعلم في منزلنا ألتحف به يوميا عند بداية إرسال القناة الاولى وبث النشيد الوطني  وأنا اردد بكل عز وفخر : "منبت الاحرار ... مشرق الانوار.."، أرددها وأنا مؤمن بها، مؤمن بأني حر في بلدي، في حبه و في الغيرة عليه، حر في محاسبة من يؤذيه لأننا وكما يقول النشيد، نحيا في بلاد الأحرار!


كنت أنصت بعدها لآيات الذكر الحكيم، كانت طقوسا مقدسة بالنسبة لي، لأني آمنت بأن دعائي بعدها بالخير لأبي و أمي و بلدي سيكون مقبولا لا محالة ... لأتابع بعدها حلقات الرسوم المتحركة بضمير مرتاح!!
 

كنت أكتب الاشعار القومية، وأنا استمد الإلهام من حبي لأرضي وأرض اجدادي ... و لازلت اتذكر اللحظات التي غنيت فيها نشيد "هوى وطني"  حين تغرورق عينايا دموعا و أنا أردد :
"هــوى وطـني فـوق كـل هــــوى ... جرى في عروقي يا مجرى دمي
و فـــي مهجتـي كبريــاء الجـدود ... بنـــــــاة العظــــائم مـــــــــن آدم..."


كَبُرتُ و للأسف كبرت معي هذه الاحلام، و هذا الحب غير المشروط لبلدي و أرضي ... حب دفعني للبحث عن أسباب ما رأيته من مظاهر شاذة خالفت كل ما تخيلته عن "مشرق الانوار" ... بحثُّ لعلني أجد العلة فأكون سببا في شفائها ... لكن وجدتها سرطانا ينخر عظامه، خلايا خبيثة تنتشر هنا و هناك ... وجدت أن حب الوطن الذي يدَّعُون غيرُ ما يحِسُّون ... وجدت أن الوطن بالنسبة لهم هو "الذات".. أحبوا أنفسهم وأحبوا في الوطن مصالحهم.. أحبوا الريع و التسيب، أحبوا الفساد والتملص، أحبوا اللا قانون، واحتموا به في ظل القانون !!!

أدركت أن حب الوطن لا يعنيني، أدركت أن الوطن صار "وزيعة بين اشخاص"، وأن " اصحاب الارض" صاروا عبيدا لدى من نصَّبوا انفسهم "مُلّاكاً" ... فمنهم من اقتطع لنفسه نصيبا و منهم من رضي بالفتات!!


أدركت أني وإن عملت لصالح وطني، فإنما سأعمل لصالح "أفراد" .. إن ضرائبي تُوَجَّه لتغطية اختلاسات مسؤول، أو دفع فواتير الشكلاطة .. أدركت أني إن سامحت فسأزيد الظالمين بطشا وإن شئت تطبيق القانون فسيبطش بي الظالمون ... وجدت اني حُرٌّ ما دمت لا أُقْلِق راحة "أصحاب الوطن" ... و أن حريتي مُقيَّدة بالسكوت عن ظلمهم و جبروتهم!!


لم أكره وطني.. لكن حبي له توقف، فضلت أن أحتفظ بذكرياتي الجميلة وـشعاري النابعة من قلب ابتُلِيَ بحب الارض فجفته ..  فضلت العيش على ذكريات "هوى وطني فوق كلي هوى ..." وأنا ألتحف علمي الاحمر ... ذكريات هي كل ما أنا "حُرٌّ" في الاحتفاظ به !!!!