تونس (CNN)-- في مثل هذا الوقت من كل عام ومع بداية فصل الربيع تبدأ تونس باستقبال الوفود السياحية من كل دول العالم للاستمتاع بدفء الطقس ويرتفع الطلب على الحجوزات للموسم الصيفي، لكن دموية الارهاب الذي استهدف ضيوفها جعلها اليوم تبدو مهجورة وخالية، فهي تدفع الآن فاتورة مكلفة لإرهاب حاول اغتيال أهم قطاعاتها الاقتصادية وتكافح رغما عنه لإستعادة مكانتها السياحية.
في نهاية جوان 2015 قتل 37 سائحا في فندق بمدينة سوسة نتيجة هجوم إرهابي وقبله بـ3 أشهر قتل 20 آخرون في هجوم مماثل على متحف باردو بتونس العاصمة، منذ ذلك الحين هجر السياح تونس وأصبحت الأماكن السياحية أماكن فارغة، واقع جديد دفع ببعض الفنادق إلى توقيف نشاطها، فيما قرر البعض الآخر تقليص عدد العاملين فيها، بينما لجأت الحكومة إلى تعزيز الأمن.
ولم تجذب البرامج الترويجية التي لجأت إليها الحكومة لإعادة ثقة الأجانب في للوجهة التونسية إلى حد اليوم السياح للعودة مرة أخرى ولم تمنعهم من إلغاء حجوزاتهم، فالعمليات الارهابية التي حدثت في تونس واستهدفت في جزء منها الأجانب، رسمت صورة قاتمة لدى الدول الغربية جعلتها تصدر تحذيرات لرعاياها بعدم الذهاب إلى تونس متعللة بعدم قدرتها على حماية زائريها مع وجود احتمالات لاستهدافهم مرة اخرى.
دانييل بوسكي مواطن روماني اعتبر أن الذهاب إلى تونس في هذه الفترة يعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، فهو على علم بالأوضاع الأمنية التي تعيشها البلاد والتهديدات الموجهة إليها، وحسب متابعته لها خلّص إلى أن الاجانب هم أكثر فئة مستهدفة بالقتل من قبل الجماعات الإرهابية.
ويقول في حديث مع CNN بالعربية " الأجانب وبصفة خاصة الغرب هم هدف للإرهابيين، هذا يدخل ضمن عقيدتهم وخططهم، ثم إن الإرهاب أو التطرف والسياحة لا يلتقون ويتعايشون في بلد واحد، كنت أود بشدة زيارة تونس فصورها على الانترنات تغري كل شخص للذهاب إليها واكتشافها عن قرب ولكنها للأسف وجهة غير منصوح بها الآن من قبل وكالات الأسفار في بلدنا".
وتحاول تونس من خلال المشاركة في معارض للسياحة الدولية تغيير هذه النظرة السلبية وبعث رسائل طمأنة خاصة إلى أسواقها التقليدية في أوروبا بأن المناطق السياحية مؤمنة ولا وجود لمخاطر وذلك في محاولة لإقناع المتستثمرين الدوليين في القطاع السياحي بإعادة برمجة الوجهة التونسية ضمن رحلاتهم هذا العام وإعادة الاعتبار لأهم قطاعاتها الاقتصادية.
وفي هذا السياق أكدت وزيرة السياحة سلمى اللومي في معرض السياحة والسفر الذي أقيم في برلين منتصف شهر مارس لوسائل الإعلام الغربية أن تونس لا تزال بلد الأمن والأمان مشيرة إلى وجود مناطق آمنة مائة بالمائة بالتوازي مع وجود بعض المناطق خطرة.
ورغم هذه المجهودات المبذولة لا تزال الارقام المسجلة الى حد الآن دون المستوى وحجوزات السياح تنبىء بمؤشرات كارثية لهذا العام، رغم العروض المذهلة التي تروّجها الفنادق لجذبهم ، فأجواء الكساد لا تزال تخيم على أغلب المنتجعات السياحية خاصة مع إعلان كبار وكلاء الأسفار خاصة الفرنسيين والبريطانيين منهم وقف التعامل مع تونس.
وتشير آخر إحصائيات البنك المركزي التونسي التي نشرت الخميس 31 مارس، إن إيرادات القطاع السياحي في أول شهرين من 2016 تراجعت بنسبة 54 بالمئة أي ما يعادل قيمة 182 مليون دينار (90.21 مليون دولار) مقارنة بالفترة ذاتها من 2015.
وتبدو علامات الأزمة العميقة والحادة واضحة للعيان في المناطق السياحية التونسية، ففي تونس العاصمة وخلال جولة في سوق الصناعات التقليدية التي تعد من أبرز المزارات السياحية، يخلو المشهد من السياح وتكاد تكون الحركة شبه منعدمة وهو ما جعل التجار يقلقون إزاء مستقبل هذه الصناعات خاصة مع تراجع مداخيلهم وتصاعد مخاطر التهديدات الارهابية في البلاد.
يقول التاجر محمد علي الغرياني الذي التقيناه أمام محله وهو يحاول إقناع بعض الزبائن بالدخول، إنه يعيش أوضاعا صعبة لأن مورد رزقه بات مهدد بالغلق بسبب تدني المداخيل، "مثلما ترين لا يوجد أي سائح، لم أبع شيئا منذ الصباح، هجرونا وتركوا مستقبلنا ومستقبل المهنة على المحك ولا يبدو هناك أي تغيير في الافق، وفي الخلاصة نحن وعائلاتنا من يدفع ثمن الإرهاب".
تشاؤم محمد علي من مستقبل القطاع يرجعه إلى استمرار عدم اقتناع الدول الغربية بالوضع الامني في البلاد وفرضها حظرا على رعاياها وتحذيرهم من الاقبال على الوجهة التونسية، إضافة إلى ضبابية المشهد الأمني في تونس في ظل تواصل الخطر الإرهابي في ليبيا.
ورغم توافد السياح العرب خاصة من الجزائريين على البلاد في الفترة الأخيرة يقول محمد علي لـCNN بالعربية "صحيح أننا في هذه الفترة أصبحنا نعتمد بدرجة أولى على السياح الجزائريين وكذلك التونسيين من القاطنين بالخارج للاسترزاق، لكن هذه السياحة موسمية وتقتصر فقط على العطل، إنعاش هذا القطاع لا يمكن أن يحصل إلا بعودة السياح الأجانب لأنهم أفضل حرفاء للمنتوجات التي نسوقها هنا في المدينة العتيقة".
ويأمل محمد علي أن تكون هذه الازمة ظرفية وأن تتظافر كافة الجهود من أجل إعادة ثقة السائح الأجنبي نحو تونس واستعادة السياحة المفقودة في أقرب وقت ممكن.