العلاقات المغربية الإفريقية: علاقات العرق والهوية والدين -رأي لإكرام عدنني

العالم
نشر
8 دقائق قراءة
تقرير إكرام عدنني
العلاقات المغربية الإفريقية: علاقات العرق والهوية والدين -رأي لإكرام عدنني
Credit: Paula Bronstein/Getty Images

هذا المقال بقلم الباحثة إكرام عدنني، ولا يعبّر عن وجهة نظر CNN.

--كانت ولا زالت القارة الإفريقية تشكل مثار اهتمام العديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، خاصة لعدم وجود استثمارات كبيرة تتناسب وحجم الناتج الخام للعديد من الدول الإفريقية، والتي لم يتم اكتشافها واستغلالها إلى اليوم.

وفي مقابل العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية التي تربط العديد من الدول المتقدمة كفرنسا وبريطانيا بدرجة أولى وخاصة مع مستعمراتها السابقة، بالإضافة إلى واليابان والصين وروسيا والولايات الأمريكية المتحدة، لم تصل بقية دول العالم ومن بينها دول العالم العربي من نسج علاقات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية مهمة، وفي المقابل قامت بعض القوى الصاعدة كتركيا وإيران والهند ودول أمريكا اللاتينية من نسج علاقات جديدة وجيدة مع دول افريقية عدة، وخاصة مع تزايد الاكتشافات من المواد البترولية والخام وارتفاع نسب الطلب عليها دوليا وفي الأسواق العالمية.

علاقة المغرب/إفريقيا: تبادلات اقتصادية وسياسية خجولة

بقي العالم العربي بعيدا نسبيا عن نسج علاقات جيدة وقوية مع إفريقيا باستثناء بعض المحاولات المتواضعة لدول كالإمارات وليبيا والكويت والمغرب ومصر، بالنظر إلى عوامل عدة مرتبطة بطبيعة الاقتصاد الذي يعرف مشاكل وتحديات بهذه الدول وخاصة مصر والمغرب والذي لم يسمح لها بالاستثمارات الضخمة في دول إفريقيا، ومن جهة أخرى بسبب الأوضاع السياسية الغير مستقرة بالدول الإفريقية والتي تشهد انقلابات عسكرية و انقاسامات داخل الدولة أو حروب أهلية بشكل كبير ومستمر، وهو ما يجعل من المستثمرين والدول تخاف من المجازفة باستثمارات ضخمة بهده الدول، حيث تبقى الدول المستقرة هي البيئة الأنسب للدول المستثمرة ولرجال الأعمال.

ولعل ما دفع المغرب إلى أن يفكر في خوض غمار التبادلات الدبلوماسية وأيضا الاقتصادية، هو رغبته في نهج سياسة جديدة تهتم بالتركيز على علاقة جنوب/جنوب، وخاصة مع وجود روابط وعلاقات تاريخية أساسها جغرافي وأحيانا عرقي وديني.

ويشترك المغرب مع إفريقيا في العديد من القواسم المشتركة، كالدين والطبيعة الاقتصادية والبشرية والطبيعية والحضارة، وهو ما يجعل من سياسة التعاون بين الجانبين أمرا ملحا ويخدم مصلحة الطرفين.

غير أن المتتبع للعلاقات المغربية/الإفريقية يلاحظ كيف أن التبادلات التجارية والعلاقات الدبلوماسية لا ترق إلى مستوى العلاقات الإفريقية المغربية التي يجب أن تكون عليها بالنظر إلى انتمائها لنفس المنطقة، ونجد أنها لازالت متواضعة جدا وأغلبها يقتصر على الدول الفرنكفونية أو التي كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي والبريطاني. كما أن استثمارات المغرب في إفريقيا ضعيفة جدا مقارنة مع استثماراتها في جهات أخرى بالعالم. وفي حال توفًق المغرب في نسج علاقات اقتصادية وسياسية مهمة فإنه سيشكل قوة حقيقية داخل القارة الإفريقية. كما سيلعب الإقلاع الاقتصادي دورا هاما من أجل تذويب حالة الجمود التي تسيطر على علاقات المغرب بدول إفريقيا منذ زمن لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى.

فإذا كان المغرب من أوائل الدول التي أسست لمنظمات افريقية  كمنظمة الوحدة الإفريقية، إلا أن مشكل الصحراء لعب دورا كبيرا في تعثر العلاقات بين المغرب وعديد الدول الإفريقية، بعد أن تم الاعتراف بجبهة البوليساريو من طرف المنظمة. وعلى هذا الأساس أصبح المغرب ينتهج سياسة جديدة تتمثل في وساطة دول صديقة بينه وبين بقية الدول الإفريقية وخاصة منها الأوروبية والخليجية من أجل سحب الاعتراف بالبوليساريو من جهة ومن أجل البحث عن دور محوري داخل إفريقيا.

 إن إحياء البعد الإفريقي كأحد أهم مكونات الهوية المغربية بعيدا عن الحسابات السياسية أصبح ضرورة ملحة، وخصوصا في ظل تزايد الحاجة لتنمية حقيقية بالقارة السمراء، وفي ظل تزايد مخاطر الإرهاب والحركات المتطرفة التي انتشرت بشكل مقلق بالعديد من الدول الإفريقية.

العلاقات الروحية المغربية الإفريقية: علاقة تضرب بجذورها في عمق التاريخ

تعود علاقة المغرب الروحية والدينية والهوياتية مع إفريقيا إلى قرون، فرغم قربه من أوروبا وتميزه بتمازج الهوية الأمازيغية والأندلسية والعربية، إلا أن الهوية الإفريقية حاضرة دائما. حيث تضل القارة الإفريقية الفضاء الطبيعي الذي يحدد الطبيعة الجغرافية للمغرب. وتمتد علاقة المغرب مع جنوب الصحراء منذ قرون خلت، وعرفت تبادل سفراء وممثلي دول وهدايا وهبات وتبادلات اقتصادية، وخاصة في عهد بعض السلالات الحاكمة كالمرابطين والموحدين والسعديين والذين امتد حكمهم إلى إفريقيا الغربية كما هو الشأن في عهد المنصور الذهبي. و في عهد آخر سلالة حاكمة وهي العلويين استمرت العلاقات بين المغرب وبقية الدول الإفريقية، بل وانتعشت مع انتشار التصوف وتأثير الزوايا على العديد من الدول الإفريقية وازدياد أتباعها ومريديها هناك.

لقد ظل البعد الديني الروحي حاضرا في العلاقات المغربية/الإفريقية، بمساندة امتداد تأثير العديد من الزوايا التي انتشرت فروعها بالعديد من الدول الإفريقية، وخاصة الزاوية القادرية والتيجانية، بالإضافة إلى انتشار المذهب السني المالكي الذي يتبناه المغرب  والمعروف عنه الوسطية والاعتدال، وسيادة قيم التسامح والانفتاح على الآخر، ما ساعد أيضا في انتشاره بالعديد من دول غرب افريقيا.  ولا زال إلى اليوم يعتبر المغرب مرجعا دينيا للأفارقة.

كما كرست هذه الروابط الزيارات الأخيرة والمتتالية لملك البلاد والذي يعتبره العديد من المتصوفة الأفارقة أميرا للمؤمنين ومرجعا دينيا وزعيما روحيا لأنه من سلالة النبي محمد، وعلى هذا الأساس  تم بالمغرب وبرعاية ملكية تكوين العديد من الأئمة الأفارقة وترميم وإصلاح عدد من المساجد والمدارس القرءانية، وطبع وتوزيع نسخ من القرءان الكريم. كما تم تقديم منح لطلبة قادمين من دول افريقية مختلفة قصد متابعة تكوينهم في مختلف الجامعات المغربية بما فيها الأكاديميات العسكرية، بالإضافة إلى أنه جرت العادة على توجيه دعوات دائمة للعلماء والفقهاء الأفارقة للحضور والمشاركة في الدروس الدينية التي ينظمها الملك كل سنة خلال شهر رمضان والمعروفة بالدروس الحسنية.

وارتكز المغرب على هذا النفوذ والحظوة الدينية عند الأفارقة وأصبح يعتمد عليها في تحسين علاقاته الدبلوماسية مع العديد من الدول. وعلى هذا الأساس تمت إعادة صياغة علاقات جديدة ومتجددة مع الزاوية القادرية وأيضا التيجانية، وتم عقد ملتقى المنتسبين للطريقة التجانية في كل دول العالم بالعاصمة الثقافية والروحية للمغرب فاس، ويعتبر العديد من الأفارقة أن زيارة المغرب والزاوية التيجانية واجبا دينيا وروحيا. وإلى الآن تعتبر مدينة فاس وضريح سيدي أحمد التيجاني مزارا ومحجا للعديد من المريدين والوفود الآتية من غرب وجنوب إفريقيا.

 وبسبب أهمية الدبلوماسية الروحية الموازية ودورها في الحفاظ على استمرارية العلاقات بين المغرب وإفريقيا، فإن المنظومة الدينية والمجالس العلمية ورابطة العلماء ووزارة الأوقاف والأحزاب والجمعيات وكل مؤسسات المجتمع المدني مطلوب منها  العمل أكثر بالموازاة مع عمل الجهات الرسمية في هذا الإطار، وخاصة وأن هناك منافسة مغاربية على النفوذ الديني والروحي  في إفريقيا.

والهدف يبقى هو العودة إلى تعميق العلاقات أو العلاقات الطبيعية التي سادت بين المغرب والدول الإفريقية منذ قرون خلت. والتي هي بالأساس علاقات شعوب وحضارة وأفراد ينتمون لنفس الأرض ويتشاركون نفس الطبيعة والهوية والعرق.