مقال لتيرانس رورينغ، أستاذ في العلاقات الأمنية الدولية ومدير معهد بحوث يختص في الدراسات العسكرية البحرية في آسيا والمحيط الهادئ. يعبر هذا المقال عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أو CNN على حد سواء.
لندن، بريطانيا (CNN) -- يعد التقرير الأخير الذي صدر الثلاثاء الماضي حول تخطيط كوريا الشمالية لإطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى، إشارة لتصعيد عسكري خطير يدعو إلى القلق. خصوصا وأن للصاروخ الباليستي إمكانية الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية وضرب أهداف حساسة. جاء الخبر ليؤكد إصرار كوريا الشمالية على توجيه تهديدات للدول المجاورة وتأكيد الإشاعات التي تقول إن بيونغ يانغ تعتزم إجراء تجارب نووية أخرى.
لكن كيف يمكن أخذ هذه التهديدات على محمل الجد؟ خاصة وأن كل هذا التصعيد العسكري الذي تخطط له كوريا الشمالية لم يكن مفاجئا، خصوصا في ظل تأكيد نيتها تطوير صواريخ حربية. لكن ما يُأزم الوضع، هو صعوبة التأكد من صحة كل هذه المعلومات الرائجة وبشكل قاطع.
ولكن نزيف الانشقاقات في صفوف كوريا الشمالية، خصوصا من ضباط رفيعي المستوى، من شأنه إعطاء إطلالة على الواقعين السياسي والعسكري الذي يعيشه نظام الزعيم كيم جونغ أون. ونذكر في اليومين الماضيين أن حكومة كوريا الجنوبية اتخذت قرارا غير متوقع بإعلانها انشقاق ضباط رفيعي المستوى من كوريا الشمالية، بمن فيهم مجموعة من 13 عاملا كانوا يزاولون وظيفتهم في مطعم في الصين تابع لحكومة كيم جونغ أون. حكومة كيم تمتلك ١٣٠ مطعما في عشرات البلدان لجلب العملة الصعبة التي ترسل بدورها إلى بيونغ يانغ. ومن جهة أخرى، أكدت حكومة كوريا الجنوبية عن انشقاق دبلوماسيين من كوريا الشمالية، الأول كان يعمل في المجال الاقتصادي في سفارة إحدى الدول الإفريقية والآخر كان يشغل منصبا في منظمة آسيوية.
لكن ما يجلب الانتباه هو انشقاق ضابط عسكري رفيع المستوى برتبة عقيد في جيش كوريا الشمالية عام 2015، إذ لم تعط حكومة كوريا الجنوبية تفاصيل كثيرة حول الموضوع، واكتفت بالقول إن العقيد كان يعمل في المكتب العام للاستطلاعات العسكرية الذي أسس سنة 2009 نتيجة عملية دمج أطراف عسكرية وأخرى تابعة لأحزاب سياسية في كوريا الشمالية.
و يذكر أن مكتب الاستطلاع الاستخباراتي على تواصل دائم مع الزعيم كيم جونغ أون، ويعمل كوحدة تجسس لتجميع معلومات استخباراتية مهمة، كما يُعتقد أن له دورا في عمليات قرصنة على شركة سوني وكذلك عدد كبير من شركات الإعلام ومؤسسات بنكية و أيضا منظمات حكومية أخرى تابعة لكوريا الجنوبية.
أخطار أمنية محتملة؟
تعتقد وسائل الإعلام حاليا أن الضابط العسكري المنشق كانت له علاقة بعمليات تجسس في كوريا الجنوبية، ويُعتقد أنه الضابط الأعلى رتبة مقارنة مع سابقيه من المنشقين عن حكومة كوريا الشمالية. ولا يزال من الصعب التأكد من صحة المعلومات المتناقلة عن كيفية عمل الأجهزة الحكومية في كوريا الشمالية بحكم الواقع القانوني العسكري المشدد. وسيعطي الوصول إلى ضابط بهذا المستوى الأفضلية لمنظمات تعنى بالتجسس والدراسات العسكرية، خصوصا وأنه على علم بالمنهجية التي تتخذها حكومة كوريا الشمالية، ومن المحتمل أن تشكل عمليات الانشقاق العسكري المتتالية هذه خطر كبيرا وإحراجا للعاصمة بيونغ يانغ.
لكن في كوريا الشمالية، تتخذ حكومة كيم جونغ أون إجراءات صارمة بعدم نشر أي معلومات تفيد بعمليات انشقاق مماثلة، كي لا تتاح الفرصة لهروب أي شخص في المجال العسكري أو غيره. بالمقابل، قالت حكومة كوريا الجنوبية، إن هذا النوع من الانشقاق يعد نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوريا الشمالية في ظل محاولاتها تجربة أسلحتها الفتاكة. و من جهة أخرى، تحاول وسائل إعلام أخرى الإشارة إلى أن عمليات الانشقاق هذه من شأنها زعزعة الاستقرار في كوريا الشمالية.
هل ستفقد كوريا الشمالية الاستقرار السياسي على المدى البعيد؟
يعتقد النقاد أن أزمة الانشقاقات العسكرية المتتالية في كوريا الشمالية من شأنها التأثير على الانتخابات العامة في الشطر الجنوبي، وأن الحكومة تحاول الترويج لها ضمن سعي حزب "سينوري" للحفاظ على حكمه بالشطر الجنوبي عبر إظهار نجاح سياسة الحصار على الجارة الشمالية.
و مما يثير القلق، هو التقرير الذي نشرته صحيفة هانكيوره الذي يفيد بأن وزارة التوحيد في كوريا الجنوبية لم ترد الإعلان عن معلومات حول عمليات الانشقاق التي شهدتها البلاد، لكنها أُجبرت على ذلك من قبل إدارة باك غن التي تتزعم كوريا الجنوبية، وأن حكومة كوريا الجنوبية لم تعلن عن أي أسباب سياسية بعد إعلانها خبر الانشقاق في صفوف جيش كوريا الشمالية إذ ألقت الضوء أيضا على العقوبات المعلن عنها من قبل منظمة الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية.
مهما تكن الحقيقة بعد التسريب حول عمليات الانشقاق تلك، فلا تزال هذه المعلومات مهمة جدا وخطيرة، ومن الممكن أن يعطي الضابط المنشق معلومات قيمة في ما يخص المنهجية التكتيكية المتبعة من قبل حكومة كيم جونغ أون، و من الممكن أن يعني هذا حالة عدم استقرار سياسي في كوريا الشمالية
سيبقى نظام كوريا الشمالية يشكل خطرا على أمريكا والجارة كوريا الجنوبية، من الناحية الأمنية والمعلوماتية وفي المجال العسكري، ويستلزم الأمر التأكد من صحة أقوال هؤلاء المنشقين خصوصا في ظل التعتيم الإعلامي والتستر المطلق الذي تفرضه كوريا الشمالية.