تونس (CNN)-- بعد أن أصبحت السجون التونسية ساحة لنشر الفكر المتطرف ومكانا لاستقطاب التنظيمات الإرهابية للشباب، تتالت المبادرات الهادفة إلى إحياء الانشطة الثقافية والترفيهية لفائدة المساجين لوقايتهم من الدخول في خط التطرف ورفع المستوى الثقافي لديهم، من هذا المنطلق بدأت حملة تهدف إلى إنشاء مكاتب داخل كل السجون التونسية وتمكين كل سجين من كتاب.
المبادرة التي أطلقتها المدونة لينا بن مهني انطلقت من شبكات التواصل الاجتماعي تحت شعار "من حق السجين أن يقرأ" تهدف إلى جمع آلاف الكتب وتوزيعها على كافة السجون التونسية لحث المساجين على المطالعة وتنمية القراءة لديهم من أجل رفع المستوى المعرفي لديهم وحمايتهم من كل أشكال الدمغجة.
وعن كيفية انبعاث المبادرة أكدت المدونة لينا بن مهني، أن الفكرة خامرتها بعد زيارتها لبعض السجون التونسية في إطار مواكبة بعض العروض السينمائية التي نظمت لفائدة المساجين، عاينت خلالها شغف وتعطش المساجين لكل ماهو ثقافي وفني، مضيفة أنها اكتشفت افتقار السجون للمكتبات ونقص الأنشطة الثقافية والترفيهية داخلها فقررت إطلاق هذه المبادرة بالتنسيق مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
وقالت لـCNN بالعربية . "في أحد السجون القريبة من بالعاصمة اطلعت على مكتبة داخله فتفاجأت بالمحتوى الهزيل للكتب، بل إنها بعضها ذات محتوى ديني متطرّف. فاتفقت مع والدي الذي كان سجينا سابقا على ضرورة تزويد المكاتب الموجودة في السجون بكتب تثقيفية ، كمحاولة منا للمساعدة في التصدي لظاهرة الاستقطاب الموجودة هناك وحث المساجين على مطالعة كتب قيمة خلال أوقات فراغهم".
وأضافت لينا أنها أطلقت المبادرة على صفحات التواصل الاجتماعي وسرعان ما وجدت تفاعلا كبيرا وإقبالا من التونسيين، موضحة أن المبادرة توسعت على كافة المدن التونسية وتحولت إلى حملة وطنية لتجميع الكتب للسجون انخرط فيها عديد المواطنين ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية حيث تم إلى حد اليوم تجميع حوالي 10 آلاف كتاب.
محمد علي بن عيّاد أحد الدعمين لهذه المبادرة، يقول لـCNN بالعربية إن هذه الخطوة جيدة وستعود بالفائدة على السجين وكذلك على المجتمع، موضحا أن مساحات الفراغ داخل السجون يمكن أن تؤدي بالسجين إلى حالة من العزلة والاكتئاب تخلق لديه النقمة والكره والتطرف.
ويرى محمد علي أن مطالعة الكتب يمكن أن تؤطر السجين وتهذبه وتحد من سلوكه العدواني وكذلك تؤهله للتأقلم مع العالم الخارجي والاندماج في المجتمع بسهولة وبنجاح.
وأوضحت لينا بن مهني أن هذه الحملة تمثل الخطوة الأولى في مجموعة من المبادرات الثقافية التي ترمي إلى اطلاقها للمساهمة في المجهودات الوطنية للحد من الإرهاب والتطرف واستغلال فترة السجن في أنشطة مفيدة وذلك في إطار الحرص على احترام حقوق السجين بما يستجيب لثقافة حقوق الإنسان في تونس.
قالت بهذا الخصوص . "جمع الكتب ليس سوى الخطوة الأولى فنحن نؤمن أن السجون لا يجب أن تكون للتشفي و الانتقام ولنشر التشدد والجريمة بل يجب أن تكون للاصلاح و مساعدة من أخطأ للاندماج من جديد في المجتمع وتجنبه الوقوع من جديد في فخ العنف".
يذكر أن القانون التونسي المنظم للسجون ينّص على حقّ السجين في الحصول على أدوات الكتابة وكتب المطالعة والمجلات والصحف اليومية عن طريق إدارة السجن، وعلى إيجاد مكتبة بكل سجن تحتوي على الكتب والمجلات المعدة للمطالعة وذلك طبقا للتراتيب الجاري العمل بها.
وارتفعت المخاوف في تونس من اتساع دائرة التطرف داخل السجون التونسية بعد ثبوت وقوع عمليات استقطاب داخله وارتفاع عدد المساجين المتورطين في قضايا إرهابية، حيث أرجعت دراسات المنظمات الحقوقية أسباب ذلك إلى حالة الاكتظاظ التي تشهدها السجون بين مساجين الحق العام والمورطين في القضايا الإرهابية إضافة إلى محدودية المستوى المعرفي لهذه الفئة.
وفي هذا السياق أكد المتفقد العام للسجون والاصلاح، عادل صنديد، أن ادارة السجون والاصلاح تفاعلت إيجابيا في وقت سابق مع ملاحظات الجمعيات الحقوقية ومن بينها المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب وبالتالي أصبحت هناك علاقة ثقة فيما بينهم، مشددا على أن الادارة ترحب بكل المبادرات من هذا القبيل والتي من شأنها أن تغير في عقلية السجناء وتجعل عملية دمجهم في المجتمع أكثر سهولة.