ليبيا (CNN)-- قصص التحرش الجنسي بالمرأة في ليبيا أصبحت كثيرة حتى باتت كابوسا يوميا في حياتها، إلا أنها تقابل بصمت إجتماعي وبلا عقاب صارم مما ساهم بانتشارها لتصبح ظاهرة اجتماعية مستفحلة ومقلقة في البلاد.
لمس الأنثى وجذب ملابسها والإمساك بيدها والتغزل بها بات أمراً منظوراً للجميع في ليبيا، لكن العيب والخوف من الفضائح يجعل الصمت أكثر ما تلجأ إليه المرأة في تعاملها مع هذه المشكلة خشية على سمعتها في المجتمع، مها عبد الحميد ( 25 سنة ) واحدة من شريحة النساء اللاتي أصبح التحرش الجنسي روتين يومي في حياتهن تحكي تجربتها لـCNN بالعربية.
كل يوم تتعرض مها للتحرش سواء في طريقها إلى الجامعة أو داخل أسوارها في طرابلس أو حتى عند خروجها للتسوق، الأمر تصفه بالجحيم اليومي الذي لم يعد يطاق بالنسبة لها، " بصراحة أصبحت أكره السير في الشارع، أتعرض لمواقف تحرش متتالية، كلام خارج عن الآداب ونظرات ماكرة كلها إيحاءات جنسية، أحيانا يتطور الأمر إلى اللمس خاصة في أماكن الزحام".
وأضافت أن الشوارع والأسواق والجامعات والأماكن العامة أصبحت أمكنة الرجال المفضلة للتحرش بالنساء ولإشباع شهواتهم وممارسة كبتهم، مستغلين حالة الإنفلات الأمني التي تعيشها البلاد وغياب تطبيق القانون، معتبرة أن التحرش أصبح جزء من سلوك مجتمعها الذي بات يتعامل مع الأمر وكأنه شيء عادي.
وتعرف المرأة في ليبيا بلباسها المحتشم، فهي غالبا ما ترتدي الحجاب والملابس الفضفاضة عند خروجها إلى الشارع، إلا أن تلك الملابس لم تعد تقيها نظرات وألسنة الرجال حسب مها،" بعض الشباب أصبح لا يهتم أن تكون الفتاة محتشمة أو غير ذلك، التحرش أصبح يطال جميع النساء لقد وصلوا إلى مرحلة لم يعد يفرقوا فيها بين صغيرة أو كبيرة متدينة أو متبرجة، متزوجة أو عزباء عاملة أو ربة بيت".
وتتساءل" كيف يرضى شاب بأن تتعرض أمه أو ابنته أو زوجته إلى هذا الموقف، ما هي المتعة التي يجدونها في معاكسة الفتيات، أي حال وصل إليه مجتمعنا الذي يدعي بأنه محافظ ، أين قيمنا وأين أخلاقنا ،هل هكذا تربينا ولماذا أصبحنا هكذا؟
لكن محمد الرجباني، ممرض في مستشفى بمنطقة الزاوية، اعترض على هذه الاتهامات معتبرا أن هذا السلوك لا يصدر من جميع الشباب، ولا يجب وضع اللوم كله على الرجال، فالفتيات كذلك يشاركن انطلاقا من لباسهن وتصرفاتهن في الشارع وإبراز مفاتهن بشكل يدفع الشاب إلى ارتكاب الخطيئة دون وعي.
وترجع أخصائية الاجتماعية مفيدة الجروشي انتشار الظاهرة إلى مفهوم الحرية المغلوط الذي انتشر في ليبيا والذي بدأ يجعل من كل شيء مباحا ، مشيرة إلى أن الشباب الليبي وبسبب الكبت الذي يعيش فيه وغياب الثاقفة الجنسية لديه عندما وجد هامشا من الحرية وحالة من الانفلات الأمني وغياب الدولة اعتبرها فرصة لإشباع رغباته الجنسية بكل الطرق خاصة أن لديه مساحة هامة من أوقات الفراغ يقضي معظمها خاج المنزل.
وأضافت في حديث لـCNN بالعربية أن بقاء هذه الظاهرة من المسكوت عنها والتستر عليها واعتبار الجهر بها عيبا، ساهم في تناميها وجعل الكثير يتمادى في ارتكاب هذه الفعلة، معتبرة أن اكثر الحالات والتجاوزات التي يتم تسجيلها تحدث في الشارع والمؤسسات العامة خاصة التعليمية منها.
العيب ال.جتماعي والخوف من الفضيحة كان سببا كافيا لعدم إبلاغ مها على حالات التحرش التي تعرضت لها وفضلت الستر عليها خوفا من ردة فعل أهلها ومجتمعها وحفاظا على سمعتها، فهذه الظاهرة تدخل ضمن التابوهات المحرمة في بلدها.
وتقول في هذا الخصوص "لا أخبر أحداً عن المضايقات التي أتعرض لها، وأخيّر الصمت على الإلتجاء إلى القانون خشية الفضيحة وخوفاً من تشويه اسم عائلتي و من إمكانية حدوث جرائم رد شرف بحقي".
وينص القانون الليبي في المادة 420 على أن المتحرش يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ستة أشهر، سواء كان تحرّشه بالقول أو بالفعل أو بالإشارة، في طريق عام أو مكان مطروق.
لكن قضايا التحرش الجنسي مازالت لا تتداول بمراكز الشرطة والمحاكم ، الأمر أرجعه المحامي طاهر النغنوغي لكون المجتمع الليبي منغلقًا ومحافظًا ويخاف الناس الخوض في مثل هذه المواضيع التي مازالت ضمن التابوهات المحرمة.
وأضاف النغنوغي الذي لم يتلقى طوال حياته المهنية أية دعاوي بخصوص التحرش لـCNN بالعربية، أن التركيبة الإجتماعية تبرّر السكوت عن هذه الظاهرة، مضيفا أنه حتى لو تم رفع قضية لا تعتبر منظورة بعين الاعتبار ويتم التعامل معها بأنها اجتماعية بدعوى أن العادات والتقاليد ترفض الخوض في مثل هذه المواضيع خوفا على سمعة النساء والأسر.
وأضاف أنه أمام تنامي الظاهرة وعدم اهتمام الجمعيات والمنظمات الحقوقية الخاصة بالمرأة وعدم القيام بدورها في التوعية بخطورة هذه الظاهرة على القيم المجتمعية وبضرورة المعاملة الحسنة للنساء، الكثير من العائلات أصبحت نساؤها لا تخرج دون محرم.