الجزائر والسعودية واختلاف وجهات النظر- رأي لمحمد حسن مرين

العالم
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير محمد حسن مرين
الجزائر والسعودية واختلاف وجهات النظر- رأي لمحمد حسن مرين
لقاء سابق بين وزيري خارجية البلدين Credit: FAYEZ NURELDINE/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم محمد حسن مرين، أستاذ جامعي جزائري بجامعة بشار، ولا يعبّر عن وجهة نظر CNN.

--إنّ بيان القمّة الخليجية المغربيّة كان سيكون عاديا في قمّة الرياض، بين أنظمة ملكية تجمعها تصوّرات ومنظورات سياسية و إستراتيجية، استدعت مواقف ومصالح مشتركة، ولكن البيان حمل هذه المرّة رسالة مشفّرة للجزائر من بوابة الصحراء الغربية، كما يرى خبراء ومراقبون، حيث أظهر البيان مساندة غير مشروطة للمغرب في قضيّة الصحراء، وهو موقف لافت.

ويعود ذلك إلى أن أنّ القضية متبناة من الأمم المتحدة، وشهدت جولات من المفاوضات بين المغرب وحركة البوليساريو، كما أن للموقف الجزائري والحساسيات الجزائرية المغربية تاريخ طويل، لعبت فيه دول الخليج دورا محايدا يتّسم بالتوازن والعمل على تقارب الجارين، منذ القمّة الجزائرية المغربية برعاية سعودية 1983، ولذلك لا يمكن قراءة البيان إلا في سياق لعبة الشطرنج السياسي بين الجزائر والسعودية خلال فترة الربيع العربي، التي لم تستطع رسالة الرئيس بوتفليقة الأخيرة إلى الملك سلمان التخفيف من توتّراتها، بسبب اختلاف وجهات النظر في مقاربة ملفات العالم العربي، وملفات أسعار البترول، وهو تاريخ طويل في اختلاف النهج السياسي لكلا البلدين.

إن هذا التوتر الجديد جاء بعد زوبعة الحملة الإعلامية الفرنسية على الرئيس الجزائري، والتي تُوّجت بتغريدة لرئيس الحكومة الفرنسية عبر نشره لفيديو استقباله من طرف الرئيس الجزائري، وانتقائه لصورة الرئيس في حالة جسميّة معبّرة عن حالته المرضيّة، بما اعتبرته الجزائر رسالة استفزاز وابتزاز فرنسية بعد رحلة فرنسية فشلت في تحقيق أهدافها الاقتصادية أو السياسية، وأصبحت محلّ سخرية بوصفها رحلة المايوناز، (لأنّها أهمّ ما أسفرت عنه مصنع لإنتاج المايوناز) وانشغل الإعلام الجزائري ولازال بحالة التشنج التي استدعت خروج مدير ديوان الرئيس ليرد على المسئول الفرنسي، ويُخفّف من انعكاسات الصورة على الرأي العام، وهذا يدعو إلى تأمل تزامن هذا التوتر الجزائري الفرنسي، والجزائري السعودي، هل هو رسالة إقليمية واحدة ومشتركة أو متقاطعة، خصوصا أن العلاقات الفرنسية السعودية تشهد انتعاشا وتقاربا في فترة هولاند، تمثّلت في تقارب المواقف السياسية من أهم الملفات الدولية، سوريا، لبنان، اليمن.. وكذلك تقارب اقتصادي في مجمل الصفقات السعودية الفرنسية المتعلقة بالسلاح خصوصا؟

إنّ الجزائر التي تشهد حالة تأهب شديدة، منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، ونتيجة تجربتها المؤلمة في سنوات التسعينيات (العشرية الحمراء)، وأعمال العنف والإرهاب التي مرّت بها، لم تكد الشفاء منها حتى واجهت تحديات الربيع العربي والوضع في مالي والتدهور في ليبيا، الذي فرض نوعا من أنواع التهديد الإرهابي الدائم، الذي استدعى من الجزائر استنفارا أمنيا عبر الحدود، وملاحقة مستمرّة لناشطين إرهابيين تُعلن وزارة الدفاع بشكل دائم عن تصفيتهم أو إلقاء القبض عليهم، إلى جانب وضع سياسي نتيجة تعقيدات سياسية مرتبطة بطموحات حول الانتخابات الرئاسية (2019) أو قبل ذلك كما يتمنى البعض بناء على الوضع الصحي للرئيس، إنّ هذا الوضع الداخلي الذي يُساهم فيه انخفاض أسعار البترول اقتصاديا، قد يجعل البعض يعتقد أن للجزائر بيئة خصبة لاستقبال هكذا رسائل إقليمية بشكل هستيري، ولكن الهدوء الجزائري الرسمي يستدعي قراءة أخرى أعمق من الوضع السياسي للنظام الجزائري.

إنّ استقبال الجزائر للموقف الخليجي بذلك الهدوء وعدم الاكتراث، يفسّر بناء على عناصر داخلية تجعل الجزائر في كامل هدوئها، ولذلك فإنّ الذين تصوّروا انفعالا جزائريا سريعا اقتنعوا أن الجزائر لن تختار الرد المنفعل والمباشر، ولن تكون هناك تحوّلات دراميّة سواء في قضيّة الصحراء والأمن الإقليمي، أو في تحولات ناجمة عن توسّع إقليمي لظاهرة الإرهاب في المغرب الإسلامي بحسب بيانات الجماعات الإرهابية، وذلك بسبب أنّ:

ـ الجزائر تمتلك مؤسسة عسكرية عقائدية من أكبر المؤسسات في إقليمها العربي والإفريقي، امتلكت خبرة متراكمة في حماية الأمن ومواجهة الجماعات الإرهابية باقتدار لافت، فهي قادرة على الوقوف أمام الإرهاب، وقادرة على فرض توازن عسكري إقليمي يُحافظ على السلام في المغرب العربي وشمال إفريقيا.

ـ الدبلوماسية الجزائرية التي تمتلك من قدرة استقبال الرسائل وتفيك شفراتها والتعامل معها بشكل لا يقلب الطاولة سواء في الإقليم المغاربي أو العربي، ولن تتّجه إلى ردود فعل انفعالية.

وهذان المؤسستان اللتان تمتلكان نوعا من الإجماع الوطني الجزائري، هما من تُديران التعامل مع التحدّيات الإقليمية، وبالنظر إلى تقاليدهما وتاريخهما والقوانين والأعراف التي تحكمهما، فإن الموقف الجزائري أو الرد الجزائري كما يترقبه البعض حسب توقعاتي سيستمرّ في:

ـ التمسك بالشرعية الدولية في قضية الصحراء، وعدم الانجرار إلى تداعيات عبثية تُحاول القفز على المراحل السابقة، أساسها تبني الأمم المتحدة لحل القضية على أساس الاستفتاء.

ـ دور إضافي في الملف الليبي دعما للحل الوطني الليبي وحكومة الوفاق الوطني لتجاوز المطبّات السياسية والأمنية، ومعالجة الملف الليبي بعيدا عن التدخل العسكري الأجنبي.

ـ الموقف من سوريا سيكون أكثر وضوحا في الحفاظ على وحدة سوريا والانتصار لمنطق الدولة على حساب حالة الفوضى التي يستفيد منها الإرهاب و إسرائيل.

ـ التمسك برفض أي مشاركة عسكرية جزائرية في التحالفات الإقليمية للاعتداء على شعوب شقيقة سواء في سوريا أو اليمن أو بلد آخر، بسبب موانع دستورية كما شرحت رسالة بوتفليقة لسلمان، ولكن أكثر منها في رأيي بسبب قناعات سياسية مختلفة.

إنّ الجزائر لا تريد أن تكون جزء من لعبة المحاور في البيت العربي، لأن الوطن العربي هو من يدفع فاتورة ذلك، عبر مجتمعاته وشعوبه ودوله التي تعاني ويلات الحروب والصراعات الطائفية، وسيكون ضحية هذا النهج الانتحاري هو القضية الفلسطينية، وترى في الإرهاب أخطر ظاهرة يجب أن تكون محاربته من أولويات العمل العربي، كما تأمل الجزائر في الحفاظ على موقع يُمكنها المساهمة من خلاله في معالجة الوضع العربي، وربما وضع الأنظمة الخليجية في مواجهة تحدّيات مقبلة يكون فيه الخليج نفسه بحاجة إلى دور جزائري بسبب هذا الموقع.