تونس (CNN)—"نعم للعزوبية ولا للزواج"، ظاهرة جديدة أصبحت تجد رواجا بين صفوف الفتيات في تونس وخيارا يقبلن عليه عن طواعية هربا من المشاكل الزوجية ومن تحمل المسؤولية وبحثا عن الاستقلالية والحرية ومطاردة الأحلام والطموحات.
وبعد أن أصبحت الظاهرة تجد مؤيدات لها ومقبلات عليها، ارتفعت نسبة العنوسة في تونس لتبلغ حسب آخر الإحصائيات أكثر من 60 بالمائة، وبالتوازي مع ذلك تنامت نسبة الطلاق لتصل سنويا إلى معدل 12 ألف حالة حسب آخر أرقام وزارة المرأة والأسرة والطفولة، كما وصلت نسبة العنف ضد المرأة إلى معدل 48.3 بالمائة.
ولهذه الأسباب فإن خوض تجربة الزواج هو بمثابة الدخول في مصير مجهول العواقب بالنسبة لبثينة كافي (34 سنة ) التي لم تنجح إلى حد اليوم في إيجاد رجل يناسبها، ورغم تقدمها في السن فإنها لا تجد حرجا في ذلك وتفضل إكمال مشوار حياتها وحيدة على مشاركتها مع رجل لا يناسبها قد يفتح أمامها أبوابا من مشاكل لا تنتهي.
اقتناعها بالفكرة جاء بعد تجربة زواج فاشلة لشقيقتها انتهت بالطلاق وبدخولها في مشاكل اجتماعية مستمرة، بدءا من نظرة المجتمع إلى المطلقة وصولا إلى مسؤولية الأبناء، "صراحة أصبحت أفضل الوحدة والبقاء هنا في بيت أهلي على مقاسمة حياتي مع رجل لا يقدرني ولا أتفاهم معه، فحياة العزوبية أفضل وأهون من حياة زوجية تعيسة، مليئة بالمشكلات، قد تنتهي في جلّ الأحوال بالطلاق".
وأضافت بثينة في حديث مع CNN بالعربية أنه لا يعنيها أن يتأخر زواجها رغم القيل والقال الذي تتعرض له باستمرار من محيطها، مبينة أنها ستظل تنتظر الرجل الذي تراه مناسبا لها، لأنها ترفض فكرة الزواج من أي أحد من فقط كي لا تكون عانسا رغم رفضها لهذ المفردة، وفي النهاية تجد نفسها إمرأة مطلقة في مجتمع لا يرحم.
وعلاوة على الخوف من الفشل في الزواج وما يترتب عنه من مشاكل، أصبح الطموح العلمي والمهني والبحث عن المستقبل الجيد إضافة إلى اتساع دائرة الحرية والاستقلالية سببا من أسباب عزوف الفتيات عن فكرة الزواج وتفضيل العزوبية الأبدية.
سرور مجدوب (36 سنة ) تعتبر أن الزواج يمكن أن يلهيها عن تحقيق طموحاتها ويكون عائقا أمام أهدافها المستقبلية وأمام نجاحها، فهي ترى فيه جملة من القيود التي تكبل المرأة، موضحة أنها اختارت طريق العزوبية عن اقتناع وبمحض إرادتها وبالتالي فهي مستعدة لتحمل عواقب ذلك،" استغنيت عن الفكرة نهائيا، فأنا مرتاحة في هذا الوضع ومستمتعة بوقتي وسعيدة بحياتي".
سرور التي تشتغل مديرة تسويق في إحدى وكالات الأسفار ويتطلب عملها السفر دائما، تعيش رفاهية مادية وتحظى بمكانة مرموقة في محيطها الاجتماعي، أكدت لـ CNN بالعربية أنها لا تمتلك الوقت الكافي لتحمل مسؤولية بيت وزوج ثم أبناء، معتبرة أن الزواج سيكون بالنسبة لها عبئا زائدا لا يمكن لها أن تتحمله.
وتقول في هذا السياق: "العزوبية شيء جميل ورائع لا يوجد فيها لا مسؤوليات ولا قيود ولا سلطة رجل وطلباته التي لا تنتهي، ففي النهاية الزواج مسألة شخصية اختيارية قد يكون أولوية عند البعض وقد لا يكون شيئا ملحا وضروريا لدى الآخر، أنا مثلا لست بحاجة لرجل، أعتمد على نفسي في كل شيء".
وترى سرور أن مهمة المرأة لا يجب أن تنحصر في الزواج والإنجاب بل يجب أن تتعدى ذلك إلى لعب دور أكبر في مجتمعها حتى تكون انسانة فاعلة وعنصرا أساسيا في المستقبل لأن الزواج ليس أقصى الأحلام.
ومن وجهة نظر علماء الاجتماع، يعزو طارق بلحاج محمد أستاذ علم الاجتماع تنامي هذه الظاهرة إلى التحولات التي أصبح يعيشها المجتمع والأسرة في تونس، وكذلك إلى أسلوب الحياة العصري الذي أفضى إلى تغير النظرة تجاه الزواج الذي لم يعد أولوية بالنسبة للفتاة بل أصبحت الدراسة والعمل هي الأولويات.
وأضاف بلحاج: "فرص الاختلاط التي أصبحت متاحة بين الجنسين باتت تلبي جزءًا من حاجيات الفتيات العاطفية والجنسية وهو ما يجعلهن أقل حرصا على الزواج الذي يعتبرنهن البعض ورطة".