الجزائر (CNN)-- تعرف منطقة المغرب العربي/الكبير منذ أكثر من خمس سنوات أوضاعًا أمنية صعبة بسبب انتشار الجماعات المسلحة على غرار تنظيم داعش في ليبيا إضافة إلى تبني هذا التنظيم لعدة عمليات إرهابية كانت قد استهدفت العام الماضي مناطق سياحية في تونس، وكذا تفكيك بعض الخلايا النائمة للتنظيم في المغرب، إلى جانب محاولات فاشلة في تنفيذ عمليات إرهابية في الجزائر تصدت لها الأجهزة الأمنية.
وأمام هذا الوضع غير الآمن الذي تعيشه دول المنطقة في ظل تنامي التهديد الإرهابي للجماعات المسلحة القادمة من ليبيا بسبب الانفلات الأمني الحاصل في البلاد بعد سقوط نظام معمر القذافي، باتت التهديدات الإرهابية تشكل خطرا عليها، ما لم تسارع هذه الدول إلى التكتل والتعاون والتنسيق الأمني والسياسي فيما بينها من أجل مواجهة خطره الداهم الذي قد يأتي على كل دول المنطقة بمجرد سقوط دولة من دول المغرب العربي/الكبير.
ورغم اللقاءات المحتشمة بين مسؤولي الدول المغاربية، إلا أنها لم تعد كافية مقارنة بحجم تهديدات تنظيم داعش التي صارت تتربص بحدود دول الاتحاد المغاربي في الوقت الذي تستدعي فيه الظروف الأمنية والإقليمية المزيد من تكثيف الجهود من أجل القضاء على هذه الظاهرة التي أضحى يتوسع خطرها يوما بعد يوم، وهو ما تؤكده الهجمات الإرهابية في تونس.
خروج الإسلاميين من الحكم ساهم من رفع مستوى التنسيق
ويقسم الدكتور أعلية علاني باحث في الجماعات المتشددة بجامعة منوبة بتونس في حديثه إلى CNN بالعربية مراحل التنسيق والتعاون بين الدول المغاربية إلى فترتين أولهما قبل اندلاع ثورات الربيع العربي حيث اعتبر أن "الحرب على داعش يمكن أن توحد جهود التنسيق الأمني المغاربي، لذا التنسيق الأمني كان القطاع النشيط في العمل المغاربي المشترك لكن هذا كان بالخصوص قبل الربيع العربي".
وعلل علاني كلامه قائلا: "عندما كانت حكومة الترويكا في تونس بقيادة الإسلاميين لم يكن التنسيق الأمني قويا نظرا إلى أن التيار الإسلام السياسي كانت علاقاته مريبة بتيار السلفية الجهادية، أما على مستوى ليبيا فكان التنسيق المغاربي معها شبه منعدم ومنذ نهاية 2013 رجع التنسيق الأمني بين دول المنطقة إلى مستواه الطبيعي وتطور أكثر فأكثر بعد خروج الإسلاميين من الحكم".
وأوضح علاني أن "خطر داعش على المستوى الإقليمي وقع الاهتمام به مؤخرا خاصة في نهاية 2015 حيث عقدت لقاءات أمنية في كل من تونس والجزائر والمغرب لرعاية المفاوضات الليبية- الليبية ومن اجل تشكيل حكومة موحدة"، مضيفا أيضا أن "التنسيق الأمني المغاربي الذي بدأ منذ نهاية 2015 إلى اليوم قد تطور بشكل اكبر وينتظر أن يزداد في الأشهر القليلة القادمة في حالة تواصل الاحتقان في ليبيا".
المغرب العربي/الكبير أصبح هدفا سهلا لداعش
وأرجع الباحث في العلوم السياسية الدكتور منصور قديدير من الجزائر تنامي الظاهرة الإرهابية بالمنطقة إلى "مساعدة الاستخبارات الأجنبية التي ساعدت في مجيء هذا التنظيم إلى ليبيا عبر البحر"، مستغلة، حسبه، الصراع بين الفصائل الليبية، وأضاف ذات المتحدث أن تردد الأوربيين في التدخل مكّن داعش أن تواصل زحفها لتستهدف تونس التي أضعفتها الأعمال الإرهابية.
وقال قديدير في حديث مع الـ CNN بالعربية أن الجزائر التي اكتسبت خبرة طويلة في محاربة الإرهاب "ليست بمنأى عن دخول الجماعات المرتبطة بداعش لأراضيها، مستشهدا بكمية الأسلحة المتطورة المحجوزة مؤخرا، ومن بينها سلاح "ستينجر"، الذي قال إن طالبان قد استعملته لمواجهة المروحيات السوفيتية مما يدل، حسبه، على قدرة داعش على خلق عدم الاستقرار بالمنطقة خصوصا إذا أضفنا إلى هذا المعطى قدرة هذا التنظيم على التجنيد مثلما بينته الاحصائات الأخيرة حيث تمكن داعش من تجنيد ألاف الشباب المغاربة في صفوفه، يضيف قديدير.
واستطرد محدثنا قائلا "كل هذه المؤشرات تدل على ان المغرب العربي أصبح هدفا سهلا لداعش إذا لم تكن هناك إستراتيجية مشتركة وتعاون فيما بين دول المنطقة لمواجهة خطر هذا التنظيم الإرهابي".
ضرورة تأسيس جيش مغاربي لمواجهة داعش
أما المحلل السياسي المغربي الدكتور عبد الإله السطي، فيرى بأن بلدان المنطقة ملزمة بالدخول في تنسيق أمني محكم حتى تكون في مأمن عن أي خطر قد يعصف باستقرارها أمنها القومي، ونبه السطى في اتصال مع الـ CNN بالعربية إلى خطورة تنظيم داعش وقدرته على الاختراق مستشهدا بما حدث في تونس قائلا: "استطاع داعش الإعداد للعديد من العمليات الإرهابية التي ذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء".
ويلح الدكتور السطي على ضرورة تشكيل جيش مغاربي لحماية دول المنطقة من تهديدات داعش المحتملة إذ يقول "نحن أمام تهديد حقيقي، يحتم على بلدان شمال إفريقيا أن تؤسس لذراع أمني يحصنها من أي تهديد مستقبلي على أساس أن المس بأي استقرار لأي دولة من بلدان المنطقة يشكل بدوره مسا بباقي مصالح البلدان الأخرى".
ويتابع السطى كلامه قائلا "وجوب إقامة خطط إستراتيجية لتجفيف منابع الإرهاب التي تعتبر من أهم الخطوات التي يمكن أن يثمر عنها أي تعاون أمني بين هذه البلدان خصوصا في ظل تطوير أدواتها وتعزيز خططتها في المواجهة بما يواكب التطور والتغيّر المستمر في عالم الجريمة المنظمة، وفي الحد من قدرات تنظيم الدولة الإرهابي التي تتلقى دعماً قد يضاهي ما لدى الأجهزة الأمنية في بعض دول المنطقة جراء استيلائها على بعض محطات إنتاج البترول بليبيا، واستثمار عائدات تهريب النفط في تدعيم قدراتها القتالية" .
هل ستكون موريتانيا وجهة داعش المقبلة بعد ليبيا؟
بالرغم أن الدكتور علاني قال إن موريتانيا مضطرة إلى زيادة تحصيناتها لمراقبة الحدود في ظل حديث عن إمكانية انتقال قيادات داعش والقاعدة في ليبيا إلى موريتانيا والى غرب إفريقيا تخوفا من تصفيتها مثلما يتم حاليا تصفية الدواعش في سوريا والعراق، بيد أن الباحث في الحقل السياسي الموريتاني بون باهي استبعد هذه الفرضية "من وجهة نظري، فلا يمكن لأحد التنبأ بوجهة تنظيم داعش بعد ليبيا".
وأوضح باهي حول هذه الفرضية خلال حديثه مع CNN بالعربية قائلا "هناك حقائق يجب أن تأخذ في الحسبان، من هذه الحقائق عمليات داعش المعلنة في كل من جمهورية مصر وتونس، بمعنى أن البعد الجغرافي يجب الانتباه إليه وهذا ما كشفته التجربة حتى الآن"، مشددا على فكرة أن "موريتانيا لا تشترك مع ليبيا في الحدود الجغرافية وإن كانت تشترك معها في الكثير من الخصائص الأخرى ومنها اتساع المجال الترابي الذي يصعب التحكم فيه".
واستدرك محدثنا قوله "موريتانيا ليست مستبعدة من تنظيم شبح عابر للحدود ولكن لن يكون ذلك قبل المرور من دول الجوار، وما هو متوفر من معطيات وليس ما قد يكون متوقع بالضرورة، وهو خطر تنظيم الجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في دولة مجاورة هي جمهورية مالي"، معتبرًا أن تنظيم "داعش" يهدد دول المنطقة الخمس دون استثناء لأن أهدافه سياسية بالدرجة الأولى.