تونس (CNN)-- قررت تونس إعادة العلاقات الديبلوماسية مع ليبيا وفتح سفارتها نهاية الشهر الجاري في وقت مازالت فيه الأوضاع السياسية والأمنية في هذا البلد المجاور غير واضحة المعالم، وبين من يرى أن تونس ستحقق مكاسب سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية من وراء هذا القرار، يتساءل البعض الآخر عن الضمانات الأمنية التي تلقتها تونس لإعادة تمثيلها الديبلوماسي في بلد مازال مهددا بالانقسام.
واتخذت الدولة التونسية قرار فتح سفارتها في ليبيا وإعادة ديبلوماسييها على إثر زيارة قام بها رئيس الحكومة الحبيب الصيد مطلع الأسبوع الجاري إلى طرابلس ولقائه برئيس حكومة التوافق الليبية فائز السراج وذلك في إطار لفتة تأييد ودعم واعتراف رسمي من تونس لهذه الحكومة.
وبحسب بيان وزارة الخارجية التونسية يأتي هذا القرار كذلك في إطار الحرص المتواصل على رعاية مصالح التونسيين المقيمين بليبيا وتوفير أفضل ظروف الإحاطة بمشاغلهم، والمساهمة في تطوير علاقات التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة.
الديبلوماسي السابق عبد الله العبيدي تساءل عن الضمانات الأمنية التي تلقتها الحكومة التونسية من أجل القيام بهذه الخطوة وعن مقدار الثقة التي وضعتها في حكومة مازالت غير قادرة حتى على تأمين وحماية نفسها وبسط نفوذها، فما بالك بحماية البعثات الديبلوماسية الأجنبية على أراضيها وقدرتها على توفير مناخ مناسب لها للقيام بمهامها.
واعتبر العبيدي في تصريح لـCNN بالعربية أن الحراك الذي تقوم به تونس في الفترة الأخيرة تجاه ليبيا ومن ضمنه اتخاذ قرار إعادة فتح السفارة يندرج في سياق إضفاء نوع من الشرعية على حكومة الوفاق الوطني واعتراف ضمني بها.
وأوضح أن قرار إعادة البعثة الديبلوماسية إلى ليبيا إجراء مبدئي غير قابل للتنفيذ في ظل الأوضاع الحالية التي تعيشها ليبيا، مضيفا أنه لا يمكن المخاطرة بحياة الديبلوماسيين وموظفي السفارة وتعريضها للخطر، لأن الإطار مازال غير مناسب للعمل، داعيا إلى ضرورة التريث والانتظار إلى حين تمكن حكومة الوفاق من بسط نفوذها على التراب الليبي وتركيز أجهزة الدولة وضمان الأمن.
وكانت تونس أخلت سفارتها في ليبيا منذ أواخر جوان الماضي، بعد اختطاف مسلحين ليبيين لموظفي السفارة رداً على إيقاف ليبيين من قبل القضاء التونسي، ودعت منذ ذلك الوقت التونسيين إلى عدم التوجه الى المدن الليبية إلى حين إرساء حكومة موحدة في ليبيا تكون قادرة على السيطرة على كامل التراب الليبي.
لكن الواقع الحالي يشير إلى أن تشكيل حكومة موحدة حلم مازال بعيد المنال رغم الجهود التي تبذل من أجل هذا الهدف، فالاختلافات السياسية والصراعات الداخلية والشروخ الموجودة مازالت جد عميقة وهو ما يجعل البلد مهدد بشبح الانقسام في ظل وجود 3 حكومات متصارعة، حكومة في الشرق وحكومتان في طرابلس فضلا عن تهديد داعش المتنامي.
ولهذا يرى محمد علي قصيبي ناشط في إحدة منظمات المجتمع المدني، أن قرار تونس إعادة تمثيلها الديبلوماسي متسرع وغير مدروس باعتبار أن لا شيء يمكن توقعه في بلد يعيش منذ سنوات على وقع العنف والارهاب و فوضى السلاح وتهديدات الميليشيات المسلحة التي لا تعترف بمنطق الدولة ولا العلاقات الدبلوماسيّة.
ومقابل من يتوجس من تداعيات هذا القرار ، يرى البعض أن تونس ولحفظ مصالحها وحماية رعاياها مضطرة أن تتعامل مع الواقع الموجود في ليبيا وكل الظروف المحيطة به، معتبرين أن إعادة فتح السفارة قرار صائب ومعقول من شأنه أن يؤكد وقوف تونس إلى جانب ليبيا في أوقات الأزمات ويفتح لها أفقا أرحب للتموقع في المشهد السياسي الليبي ومن ورائه دعم وجودها الاقتصادي.
ويؤكد في هذا الجانب الناشط الحقوقي المختص بالملف الليبي مصطفى عبد الكبير أن قرارإعادة التمثيل الديبلوماسي في الجارة ليبيا أفضل ردّ عن مطالب العديد من التونسيين الذين ترتبط مصالحهم مباشرة بليبيا، معتبرا أن خروج تونس من ليبيا وإغلاق سفارتها العام الماضي كان خطأ كبيرا وفادحا ارتكبته الديبلوماسية التونسية.
وقال لـCNN بالعربية إن تونس وحفاظا على مصالحها يجب أن يستمر وجودها الرسمي داخل أراضي شريكها التجاري الأول في كل الظروف والاحوال وأن تحرص على عدم العبث بمصالح التونسيين أكثر، فالديبلوماسي لا بدّ أن يكون مثل الجندي ويعمل في أوقات الأزمات و الحروب من أجل الدفاع عن مصالح بلده في الخارج.
وبخصوص شروط نجاح الديبلوماسية في القيام بمهامها في الظروف الحالية التي تعيشها ليبيا، أوضح عبد الكبير أن نجاحها أو فشلها مرتبط بالشخص الذي سيكون على رأس السفارة والذي يجب أن يكون عارفا وخبيرا بالوضع الليبي و لديه علاقات في ليبيا خاصة علاقات اجتماعية مع الشخصيات ذات النفوذ لأن هناك أمورا تحلّ بالعلاقات الإجتماعية أكثر من الأمور الديبلوماسية والرسمية.
وخلّص أن ليبيا هي العمق الإستراتيجي لتونس ويجب على هذه الأخيرة أن تحرص على أن يكون لها مكان مما يجري فيها الآن وأن تكون لها أفضل العلاقات مع الليبيين.
من جهته اعتبر عارف الطبيب المختص في الشأن الليبي أن إعادة فتح السفارة التونسية في ليبيا يعد قرارا في الاتجاه الصحيح رغم تأخره، مضيفا أنه يجب أن يتبعه حسن التعامل مع الأحداث في ليبيا بحرفية حتى يكون التمثيل التونسي في ليبيا فاعلا.
وأوضح لـCNN بالعربية في هذا الخصوص أنه ينبغي على المسؤولين في الدولة أن تكون لهم معرفة حقيقية بموازين القوى وطبيعة الأطراف الفاعلة الآن في ليبيا التي لا تتبع منهج التطرف والغير متورطة في الأعمال الإجرامية والتي لها أفق أوسع لإقرار السلم في ليبيا وتأمين مصالح الأجانب على أراضيها.