الرباط، المغرب (CNN)-- خلال الأسابيع الأخيرة، اتجهت المملكة المغربية إلى بلدان جديدة في خارطتها السياسية والاقتصادية، إذ التقى الملك محمد السادس بفلاديمير بوتين في زيارة رسمية شهدت إعلان مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين، وفي الأسبوع الماضي انتقل ملك المغرب إلى الصين، حيث التقى برئيسها شي جين بينغ، وشهدت الزيارة ذاتها توقيع شراكات واتفاقيات.
ورغم أن الصين وروسيا ترتبطان منذ سنوات ببعض الاتفاقيات الاقتصادية بالمملكة المغربية، غير أن إقدام العاهل المغربي على زيارتين رسميتين لدولتين اعتبرتا على الدوام حليفتين تاريخيتين للجزائر، يثير نقاشًا حول التوجهات السياسية القادمة لبلد يصنف على كونه حليفًا للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط.
ومن شأن التوجهات الجديدة للسياسة المغربية أن تفتح زاوية أخرى للنظر إلى الخلاف القائم بين المغرب والجزائر، فالمغرب رغب في زيارته إلى روسيا ضمان موقف رسمي من بوتين لا يعادي مصلحة المغرب في نزاع الصحراء الغربية، أو على الأقل يتم تحييد روسيا من النزاع وعدم اصطفافها إلى الجانب الآخر، أي جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، كما أن إعلان اتفاقيات اقتصادية قوية مع الصين، قد يزاحم موقع الجزائر في المنطقة المغاربية كأول مستقطب للاستثمارات الصينية.
ويرى الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية في المغرب أن العلاقات بين الدول لا تعرف صديقا تاريخيا، فـ"المنطق المتحكم فيها هو منطق المصلحة سواء السياسية أو الاقتصادية"، مضيفًا أن توجه المغرب نحو الصين وروسيا "لا يرتبط برغبة مغربية في الحد من علاقتهما مع الجزائر"، بل يندرج في إطار دينامية ديبلوماسية مغربية بدأت منذ مدة، تبتغي "تنويع الشركاء الاقتصاديين والسياسيين".
ويضيف لكريني في تصريحات لـCNN بالعربية أن اختيار الصين وروسيا من لدن المغرب يأتي "لقوتهما السياسية، ولحضورهما القوي في مجلس الأمن، وكذا لاستثماراتهما المهمة في الكثير من أنحاء العالم"، فضلًا عن بحث المغرب "شرحًا أقوى لوجهة نظره ولمشروعه الخاص بنزاع الصحراء"، خاصة وأن الصين مثلًا، يتابع لكريني، تعاني من وجود مطالب انفصالية، وقد تتفهم موقف المغرب في هذا الاتجاه.
ويستطرد لكريني أن التوجه المغربي نحو روسيا والصين لا يعني تخلي المغرب عن بقية شركائه في أوروبا والقارة الأمريكية، غير أن المغرب يضع في حسبانه أن العلاقات مع أي طرف قد لا تستمر للأبد لأسباب كثيرة، كما أن هذا التوجه يعكس "استقلالية القرار المغربي"، ويشجع على إمكانية وقوع تقارب بين المغرب والجزائر، ما دام البلدان يشهدان الكثير من التحديات الأمنية التي تستدعي التنسيق بينهما.
ويظهر جليًا أن الجزائر واعية بالحفاظ على شراكتهما مع روسيا والصين، وتراهما كحليفين قويين لها في قراراتها وسياساتها الخارجية المتعارضة مع توجهات العديد من الدول العربية الأخرى وكذا مع سياسة الولايات المتحدة، فالجزائر تصنف حليفًا لإيران وروسيا ونظام بشار الأسد، ومواقفها الخاصة بالحرب في سوريا أبعدتها أكثر عن الحلف العربي-الإسلامي بقيادة السعودية، وكذا عن التوجهات الامريكية في المنطقة.
لذلك سارع الوزير الأول الجزائري، عبد المالك سلال، إلى زيارة روسيا مباشرة بعد عودة الملك محمد السادس منها، معلنا توقيع بلاده لاتفاقيات جديدة، ومؤكدًا أن موقف بلاده من نزاع الصحراء لن يتغيّر، كما يمكن وضع الشراكات الاقتصادية التي أعلن عنها مؤخرًا بين الجزائر وإيران في هذا السياق، وذلك في وقت أكد فيه المغرب، عبر خطاب لملكه، زيارة قريبة للهند التي التزمت قبل مدة باستثمارات في الجزائر.
وفي حين تعوّل المملكة المغربية على الدعم الفرنسي بدرجة أكبر ونسبيًا أقل الدعم الأمريكي في مسألة النزاع بالصحراء الغربية، تعوّل الجزائر على دعم روسي، وقد ساد ارتياح في الجزائر على خلفية امتناع روسيا عن التصويت على قرار مجلس الأمن الخاص بالصحراء الغربية في أبريل/نيسان الماضي، إذ اعتبرت ذلك وسائل الإعلام الرسمية الجزائرية رفضَا روسيا لطبيعة القرار "المتساهل" مع المغرب في عدم تبّني لهجة قوية تجاه طرده لغالبية أعضاء المكون المدني من بعثة المينورسو.
ويرفض الدكتور بوحنية قوي، أستاذ العلوم السياسية في الجزائر، تفسير السلوكيات الديبلوماسية بـ"بشكل تآمري"، معتبرًا أن حركية السياسة الخارجية "لا تبنيها ردود الأفعال وإنما الاستراتيجيات والأجندات المدروسة"، وبالتالي، فزيارة العاهل المغربي لروسيا والصين "تدخل ضمن تعزيز الرؤى الديبلوماسية المغربية والبحث عن حلفاء من القوى العظمى، وإيضاح المغرب لرؤيته الخاصة بالنزاع في الصحراء".
ويتابع قوي لـCNN بالعربية أن الصين ليست حليفًا اقتصاديا فقط للجزائر، بل هي أكبر شريك أجنبي اقتصادي لإفريقيا، وبالتالي فبحثها تنمية أسواقها في المغرب قد يظهر أمرا عاديًا، غير أن التحالف الروسي الجزائري يظهر أقوى، خاصة من ناحية بيع الأسلحة والتعاون العسكري الذي بدأ منذ عقود، لافتًا إلى أن التحرّكات الديبلوماسية الأخيرة للبلدين قد تساهم في تقريب الرؤي بين الدول المغاربية حتى "لا تكون أسيرة لرؤى القوى العظمى ذات الطرح البراغماتي".
ساهم في تحرير النص حمزة عتبي من الجزائر.