مهرجان موازين.. عندما تختلط نغمات الموسيقى بالجدل حول الميزانية

العالم
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
مهرجان موازين.. عندما تختلط نغمات الموسيقى بالجدل حول الميزانية
Credit: AFP

الرباطـ، المغرب (CNN)-- كعادته كل سنة، يخلق مهرجان موازين، أشهر الأحداث الموسيقية في المغرب، الجدل في أوساط المتتبعين حول موارده المالية والأسماء الفنية التي يستضيفها ونقل سهراته على المباشر، جدل وإن خفّ قليلًا هذا العام نظرًا لعدم وقوع أحداث كبيرة كما جرى العام الماضي في حفلة جينيفير لوبيز، وكذا لتراجع حدة المعارضين، فإنه يبقى ملازمًا لهذا المهرجان الذي لاحقته منذ بداياته الكثير من الاتهامات.

وانتهت قبل أيام قليلة الدورة الـ15 من المهرجان ذاته، في مناسبة عرفت استضافة أسماء مشهورة منها كاظم الساهر وعاصي الحلاني وشيرين وسعد لمجرد وبيتبول وشاكي. وقد نشرت الجهة المنظمة، وهي جمعية مغرب الثقافات، أرقامًا لعدد الحاضرين، تجاوزت في بعض السهرات مئتي ألف حاضر، زيادة على متابعة واسعة للمهرجان في القنوات العمومية المغربية، فضلًا عن نسبة ملء كبيرة لفنادق الرباط التي تحتضن المهرجان، غير أن "النجاح الجماهيري" لا يخفي نقاشات لازمت "موازين" في الدورات الأخيرة، تنطلق في الغالب من قيمة الأجور التي تقدم لأعتى النجوم في بلد يعاني مشاكل اقتصادية عديدة.

جدل المال العام

ووسط أصوات الإشادة بالمهرجان في الكثير من وسائل الإعلام المغربية والعالمية، يلتصق الجدل أكثر بميزانية هذا الحدث الفني وعلاقته بالمال العمومي، إذ لا توجد معلومات مدققة عن ميزانيته في موقعه الرسمي، غير أن الموقع يشير إلى أن المهرجان الذي بدأ بتمويل عمومي عام 2001، أنهى علاقته بهذا التمويل بشكل قطعي منذ عام 2012، وأن 68 في المئة من ميزانيته تعود إلى العائدات المتغيرة، أي التذاكر والجوازات والفضاءات والإشهار"، في حين تبقى النسبة المتبقية للمموّلين الخواص.

كما ارتبطت الانتقادات بـ"تبخيس" المهرجان للفن المحلي وجلبه لفنانين عالميين دون الالتفات أكثر إلى الفنان المغربي، وكذا بجلب فنانين لا يحترمون الثقافة السائدة، وكذا بارتباطه بـ"جهات عليا" بما أن المدير السابق للجمعية المنظمة هو منير الماجيدي، السكرتير الخاص بالملك، فيما يقول المهرجان الذي يرأس جمعيته الآن مدير إحدى شركات الاتصالات، إن البرمجة تشهد حضور فنانين مغاربة كثر، معتبرًا في موقعه الرسمي بأن دعوة الفنانين الأجانب تدخل في إطار نشر قيم  مثل "التسامح والحوار بين الثقافات والشعوب".

البلغيتي: موازين صورة للاستبداد بزي الثقافة

غير أن الانتقادات التي بلغت أوجها خلال فترة "الربيع العربي" وشهدت تنظيم عدة احتجاجات في الشارع تراجعت كثيرًا، ويرى رشيد البلغيتي، صحافي، أن المهرجان طوّر خطابه التواصلي لمواجهة هذه الانتقادات، فأضحت إدارته "أقل وضوحا وأقل شفافية في إعطاء للمعلومة كي لا تفتح أي مجال للنقاش، خاصة معلومات أعضاء مكتبها وأجور الفنانين"، معتبرًا أن المهرجان "لم يتطوّر بما يخدم سياسة ثقافية مستديمة أو بما يطوّر الصناعة الموسيقية".

ويتابع البلغيتي، أحد أبرز الأصوات المعارضة للمهرجان، أنه "في بلد يعرف خصاصًا كبيرًا على المستوى الثقافي، ولا توجد فيها معاهد موسيقية حقيقية ولا استديوهات للتسجيل الاحترافي ولا سوق حقيقية تنتعش فيها الموسيقى المحلية، يتم تنظيم مهرجان يشجع نشاطًا فلكوريا بملايير السنتيمات يستدعي الفنانين المباركين للسياسات الرسمية ويُقصي أصحاب الأصوات المستقلة".

ويزيد البلغيتي لـCNN بالعربية: "موازين يستنزف ثروات البلاد، فجزء كبير من الشركات التي تدعمه هي شركات وطنية، كما أن الفنانين يربحون الأموال الطائلة دون أن حتى تفرض عليهم الضريبة"'، مستطردًا: "المهرجان يجند رجال الأمن الوطني لتنظيمه كما لا يفعل أي مهرجان آخر، ويستحوذ على القنوات العمومية في أوقات الذروة دون بقية المهرجانات.. موازين باختصار هو صورة للاستبداد عندما يرتدي رداء الثقافة".

وحول "النجاح المستمر" للمهرجان في جلب الجمهور والوصول إلى العالمية، يجيب البلغيتي: "أنا لا أعتبر أن المهرجان ناجح، بل هو مستمر وفقط. النجاح يبدأ أولا من وجود هوية، وهو ما ينتفي لدى موازين.. المهرجان يجلب الجمهور بسبب الدعاية المستمر على قنوات القطب العمومي، أما الاحتجاجات فقد تراجعت بسبب مواجهة القوات العمومية لها بالعنف".

الكمري: موازين أفضل ترويج لصورة المغرب

في الجانب الآخر، ورغم انتماء مصطفى الكمري سابقًا إلى حركة 20 فبراير، شأنه شأن البلغيتي، إلّا أنه يرى بأن الدولة لا تحتاج مهرجانًا كيفما كان لتقوية أركانها، معتبرًا أن موازين ناجح بكل المقاييس، بما أنه "صار في بضع سنوات ثاني أكبر مهرجان موسيقي على مستوى العالم، وبما أنه يحظى بدعم فئات كبيرة من الشعب وصلت هذه السنة إلى ما يقارب ثلاثة ملايين متفرج، متحدثًا عن أنه هناك من يريد بسط الوصاية على عموم الشعب انطلاقًا من قناعاته الخاصة.

ويضيف الكمري لـCNN بالعربية أن الكثير من الدول تصرف سنويًا مبالغ كبيرة لأجل الترويج لصورتها، فـ" الاستثمارات الأجنبية والسياحية لا يمكن الحصول عليهما وسط هذه المنافسة الشرسة بين الدول، من دون دعاية احترافية تروج البلد أمام العالم كرمز للاستقرار وللتعايش والسلام، وبالتالي يعد موازين إضافة أفضل وسيلة لترويج صورة المغرب أمام العالم على أنه بلد مستقر وآمن في ظل مناخ إقليمي متوتر".

ويتابع الكمري أن استقطاب المهرجان لأكبر نجوم العالم في الموسيقى يجعل المغرب محط أنظار العالم والصحافة الدولية، وفي ذلك "تشجيع كبير لرؤوس الأموال على الاستثمار في المغرب وللأفواج السياحية على زيارته، ودليل على أن الشعب المغربي يحب الحياة وقادر على هزم التطرّف".

ويرى الكمري أن تتبع خيط انتقاد المهرجان سيصل إلى انتقاد تنظيم التظاهرات الثقافية عمومًا وحتى الرياضية باعتبار أنها "مضيعة للوقت وتبذير للموارد"، في حين أن ذلك لا يستقيم، وأن "الدولة ليست مقاولة هادفة للربح حتى لا تمول إلا المشاريع التي ستعود عليها بدخل، بل هي مؤسسات حاملة لمشروع مجتمعي يهدف بالأساس إلى زرع قيم التعايش والمحبة والسلام، وهو الدور الذي تقوم به الثقافة والفنون من خلال مجموعة من المبادرات ومن بينها المهرجانات".