بيتر بيرغن هو محلل شؤون الأمن القومي في شبكة CNN، ونائب رئيس مركز أبحاث "نيو أمريكا،" وأستاذ ممارسة في جامعة ولاية أريزونا. وبيرغن هو كاتب الإصدار الجديد: "الولايات المتحدة الجهادية: تقرير عن إرهابيي أمريكا محليين المنشأ." وهذا المقال يعكس آراء الكاتب الشخصية، ولا يعكس بالضرورة آراء CNN.
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- تحدثت رئيسة الوزراء البريطانية، مارغريت ثاتشر، عن الإرهاب في المؤتمر السنوي لرابطة المحامين الأمريكية عام 1985. وجاء هذا عقب اختطاف أحد ركاب "ترانس وورلد إيرلاينز" والذي أجبر الطائرة على الهبوط في بيروت، وتداولت وسائل الإعلام الموضوع بشكل ضخم. وحثت ثاتشر على أن وكالات الأنباء يجب أن "تحاول أن تجد طرق لتجويع الإرهابي والخاطف من أكسجين الشهرة الذي يعتمدان عليه."
وقد كافحت وكالات الأنباء في التعامل مع هذه المعضلة لعدة عقود منذ ذلك الوقت. والهجمات الإرهابية هي بطبيعة الحال أخبار، ولكن الإرهابيون أيضا يعتمدون على "أكسجين الشهرة" التي تقدمه لهم وسائل الإعلام لنشر أخبار عنفهم.
ولكن ماذا يحدث عندما يتحكم إرهابيو اليوم بوسائل الإعلام؟ كان يضطر الإرهابيون في الماضي على وسائل الإعلام لتوصيل رسالتهم إلى المشاهدين، ولكنهم يستطيعون الآن التحكم برسالتهم تماما، من إعداد المحتوى الخاص بهم لضمان توزيعه على نطاق واسع.
وفي تطور جديد في السنوات الثلاث الماضية، يذيع مسلحو داعش وغيرهم من الجهاديين أعمالهم الدموية مباشرة. فداعش لديه انتاج تليفزيوني فخم، بتصوير مهني بتقنية "هاي ديفينيشن." فهم يقدمون تقارير عن كل شيء، من قتلهم للمدنيين، لملفات مقاتليهم الأبطال الشخصية، للحياة التي يفترضون أنها مثالية تحت حكمهم الذي يزعمون أنه مثالي. كما يمتلك التنظيم أيضا وكالة أنباء خاصة بهم، اسمها أعماق، والتي تقدم تقارير عن فظائع داعش بمصداقية.
كما ينشر داعش أيضا عدة مجلات الكترونية باللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية والتركية. وأكثر شيء مذهل هو أن المنظمات الإرهابية ومؤيديها لديهم عشرات الآلاف من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، مما فيها تويتر وفيسبوك، والتي يستخدموها في نشر رسالة داعش على نطاق أوسع. والأكثر من ذلك هو أن هذه الحسابات توثق وتبث العنف الإرهابي في وقت حدوثها على الهواء مباشرة.
وفي حين أن متشددي داعش قد احتجزوا رهائن في مقهى راقي بدكا، بنغلادش، وقتلوا 20 أجنبيا معظمهم من غير المسلمين، وأرسلوا أيضا صورا لضحاياهم وهم غارقون في برك من الدماء، والتي ذاعتها أعماق ليرها العالم كله.
وخلال هجوم على مركز ويست جيت في كينيا عام 2013، والذي قتل فيه 67 شخصا على الأقل، كان شخص مقرب من جماعة الشباب الإرهابية ينشر تفاصيل الهجوم مباشرة على تويتر، والتفاصيل التي نشرها كانت أكثر دقة من أي مصدر آخر.
وكان هجوم مركز ويست جيت أول هجوم إرهابي كبير ينشر أحد المقربين من الجناة تفاصيل عنه على تويتر. وأثناء حدوث الهجوم في المركز، نُشرت تغريدة على حساب بتويتر تقول: "دخل المجاهدون مركز ويست جيت اليوم وقت الظهر تقريبا ومازالوا داخل المركز يقتلون الكينيين الكفار على أرضهم."
وكان هذا أول تأكيد أن حركة الشباب كانت هي المسؤولة عن الهجوم، وحرر الصحفيون في جميع أنحاء العالم هذه الأخبار بسرعة.
وشرحت حركة الشباب بشكل حاسم في تغريدة على موقع تويتر أن الهجوم على المركز كان سيكون قتال حتى الموت وأنه لن يكون هناك مفاوضات من أجل حياة الرهائن الذين حجزهم المسلحين. وكان نص التغريدة كالآتي: "لن نتفاوض مع الحكومة الكينية مادامت قواتها تغزو بلادنا، فاجنوا ثمار حصادكم المر يا ويست غايت." وذكر هذا الجانب الأساسي من الهجوم على المركز أيضا على الصعيد العالمي.
وفي الأسابيع الأخيرة، شهدنا تكرارا جديدا ومروعا لاتجاه وسائل الاعلام الاجتماعية، حيث ينشر الإرهابيون صور لضحاياهم وقت وقوع الأحداث، كما رأينا في هجوم بنغلادش الجمعة.
وبشكل مماثل، قتل متشدد يتبنى فكر داعش مسؤولا في الشرطة وزوجته. وقد نشر فيديو له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك مباشرة بعد القتل، يعلن فيه ولائه لداعش. وفي الوقت الذي كان يسجل فيه الفيديو، كان ابن الزوجين البالغ من العمر ثلاث سنوات خائفا على مقربة منه.
وفي الوقت ذاته، أصبح التعهد بالولاء لداعش على فيسبوك بعد هجوم قاتل شيئا شبه الروتين للإرهابيين في الغرب.
وكان عمر متين، الإرهابي الذي قتل 49 في ملهى ليلي لمثليي الجنس في أورلاندو، قد أعلن ولائه لداعش على فيسبوك أثناء تنفيذه للهجوم.
وهذا أيضا ما فعله الإرهابيون في سان برناردينو بديسمبر/ كانون الاول حينما قتلوا 14 من حضور حفلة عيد خاصة بمكتب عمل.
وأحد أفكار الإرهاب الحديث الرئيسية، من دورة الالعاب الاولمبية في ميونيخ عام 1972 التي خطف خلالها إرهابيان فلسطينيان رياضيا إسرائيليا، إلى أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، هي استخدام التغطية التلفزيونية واسعة النطاق لأعمال العنف لنشر وتطوير أفكار المسلحين السياسية.
واليوم، يتجاوز الإرهابيون وسائل الإعلام التقليدية تماما، ويعملون الآن في وقت واحد كأبطال ومنتجين ومروجين لأعمالهم التي تتسم بالعنف العدمي. فعندما يسيطر الإرهابيون على الإعلام والرسالة، كيف يمكننا أن نأمل في حرمانهم من "أكسجين الشهرة؟"