الجزائر (CNN)— يحذّر رئيس الجمعية الجزائرية لمحاربة الفساد جيلالي حجاج من اتساع دائرة الفساد التي تجاوزت، حسبه، أسوار الإدارات والوزارات إلى أن وصلت إلى مفاصل الدولة، مراكز صناعة القرار تحديدا، مستبعدا تحقيق أي إصلاح بمسؤولين جاءت بهم انتخابات مزورة إلى الحكم، فلم يعد يخيفهم أو يُعَيرهم أحد، بعدما تأكدوا أن الجميع أصبح يحمل على ظهره "حدبة بعير"، على حد وصفه.
ويتهم حجاج في حوار مع الـCNN بالعربية، عهد المخابرات في عهد الجنرال "توفيق" بـ"استعمال ملفات الفساد للضغط والابتزاز بدل إحالتها على الجهات القضائية"، داعيا إلى الاقتداء بالدول الكبرى في مجال إخضاع ميزانية الدفاع للرقابة الشعبية عبر البرلمان، كما قال حجاج إن مسؤولين "هرّبوا أموالهم إلى جنات ضريبية وأن النظام الحالي بات يحمي الفاسدين من خلال إحالتهم على التقاعد بدل محاسبتهم".
رغم استحداث الدولة الجزائرية للعديد من الهيئات التي ترتكز مهماتها في محاربة الفساد، إلا أن متابعين لم يلمسوا وجودها في الميدان، ما مرد ذلك باعتقادك؟
النظام في الجزائر ومن خلال افتقاده للشرعية بسبب عدة عوامل، أهمها تزوير الانتخابات وغياب الرئيس لعهدة كاملة واحتكار السلطة وتسيير البلاد بعقلية القوة والتضييق على المجتمع المدني والأحزاب، كل هذا، أدى إلى استشراء ظاهرة الفساد في مفاصل الدولة التي يسيرها أشخاص غالبيتهم متورطين في قضايا فساد محلية وحتى دولية.
فمسألة الشرعية القائمة على انتخابات حرة ونظيفة يعد أهم مفتاح لحل معضلة الفساد في بلادنا، فلا يمكن تحقيق إصلاح بمسؤولين جاءت بهم انتخابات مزورة أو عينوا من طرف مزورين، ومن هنا يمكننا طرح السؤال التالي من يحاسب من والجميع قد "غمس" في المال العام؟، فالهيئات الرسمية التي تم تعيينها لرصد قضايا الفساد هيئات مشلولة، أصبحت مع مرور الزمن مجرد صندوق بريدي لتلقي الشكاوى، ولا تملك أدنى سلطة رقابية أو ردعية.
يردد السياسيون، بخاصة منهم المعارضة، مقولة إن "الفساد استشرى في مفاصل الدولة. برأيك، هل هذا راجع إلى عجز الدولة أم لقوة الفساد؟
بطبيعة الحال قوة الفساد يدل على عجز الدولة عن محاربته، وهذا ناتج عن غياب الإرادة السياسية لدى "المستحكمين" للحد من انتشار الظاهرة، فأفضل ما يقوم به النظام الحالي هو إحالة الفاسدين على التقاعد ومنحهم مناصب ضمن الثلث الرئاسي في هيئات تشريعية دون محاسبة، بعدما زكمت رائحة فسادهم دول العالم، وتعويضهم بفاسدين آخرين، لهم مشاكل مع العدالة الجزائرية والدولية، بمعنى أن الفاسدين يحمون بعضهم بعضا، ويرثون بعضهم بعضا.
نقلت وسائل إعلام عالمية ومحلية، اخبار تؤكد تورط شخصيات سياسية واقتصادية الجزائرية وازنة، في ملفات فساد، استنادا لتسريبات "وثائق بنما"، كيف تعلق على هذه الحادثة؟
الجمعية الجزائرية لمحاربة الفساد لم تفاجأ تماما لما كشفته "وثائق بنما" وقد كنا على دراية تامة ومنذ سنوات بأن العديد من المسؤولين في الدولة هربوا أموالا إلى جنات ضريبية في الخارج وبنوك مشبوهة، وهؤلاء يستخدمون مجموعة من المحامين متواجدين بلكسمبورغ اختصاصهم تسيير أموال الفساد وتحويلها من جنة ضريبية لأخرى، لتفادي اكتشافها، ويتقاضون مقابل مهامهم هذه مبالغ ضخمة.
ووزير الصناعة الحالي بوشوارب المعين حديثا له مشاكل من هذا القبيل وورد اسمه ضمن هذه الوثائق، بل إنه لم يقم حتى بالتصريح بممتلكاته عند تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، فالقانون ينص على إجبارية تصريح كل وزير عن ممتلكاته في بداية ونهاية مهمته، والمعلومات التي تحوزها الجمعية تؤكد أن الوزير بوشوارب أخفى حقيقة امتلاكه لشركة في "بنما" عن الرئيس، وبالنسبة للتصريح بالممتلكات في الجزائر فلم يعد يخضع للقانون فهو يخضع لإرادة المسؤول ذاته، فإن شاء صرح وإن لم يشأ لم يصرح، أما القوانين فهي مجرد حبر على ورق.
قلتم في تصريحات سابقة إن الطاقم الحكومي الحالي أصبح يضم أسماء أيديها تلطخت بالفساد. هل تقوّى الفساد تطوّر إلى هذا الحد؟
نعم هناك مسؤولين تلطخت أيديهم في الفساد، والقضية لم تعد تخفى على أحد، بل أنها أصبحت لا تخيف الفاسدين أنفسهم، بعدما تأكدوا أن هناك من يحميهم وأن الجميع متورط والجميع يحمل حدبة البعير على ظهره، فمن يعير من ؟ ومن يحاسب من؟، بل أن الفساد أصبح ميزة للفوز بالمسؤولية والترقية في المهام الرسمية، من هنا يمكننا أن نقول إنهم أقوياء في غياب الشرعية لكنهم ضعفاء جدا إذا ما استرجعت الشرعية وحوسبوا على فسادهم وعلى فشل تسييرهم.
هل يمكن القول إن إسقاط مهمة التحقيق في ملفات الفساد عن ضباط المخابرات، ساهم بشكل غير مباشر في تعاظم الفساد؟
لا أعتقد ذلك، الفساد كان دائما موجودا وبدرجات كبيرة، أما ضباط المخابرات الذين ذكرت، ولعلك تعني الجنرال "توفيق "، الذي أنهيت مهامه مؤخرا ، فقد كانوا يستعملون ملفات الفساد للضغط والابتزاز لا أكثر ولا أقل، ولم يوجهوا تلك الملفات للقضاء للفصل فيها.
قضيتم فترة طويلة في ميدان مكافحة الفساد، وخَبِرتُم هذا المجال جيدا، برأيك أي المؤسسات معنية أكثر بهذا التحدي؟
الفساد موجود في كل مؤسسات الدولة يرتفع وينخفض حسب الميزانيات المرصودة لكل وزارة وقطاع، فإذا كانت الميزانية كبيرة زاد معها حجم الفساد وان قلّت قلّ معها الفساد، وكذلك الحال فيما يخص ارتفاع أسعار البترول، فكلما ارتفع السعر زاد النهب والعكس صحيح.
أما وزارة الدفاع التي ارتفعت ميزانيتها إلى أزيد من 200 مليار دج، وهي ميزانية تعد الأضخم منذ الاستقلال، والأضخم بين باقي القطاعات والأضخم بين الدول المجاورة، بسبب التحديات الأمنية التي تحيط بالجزائر، وهو ما يطرح التساؤل المشروع عن الآليات التي وضعت لمراقبة تسيير هذه الأموال وجعلها تحت هيئة رقابية شعبية كالبرلمان، ففي الدول الكبرى تخضع ميزانيات الجيش للرفع وللتقليص وللمحاسبة دون أدنى مشكلة، والجمعية لا تملك ملفات فساد تمس هذا القطاع.
ظهور ملفات الفساد على وسائل الإعلام جعلت بعض المراقبين يشكون في وجود ملفات أخرى يجري التكتم عليها، ما صحة هذا الكلام؟ وهل تمتلكون ملفات يمكن كشفها؟
أكيد هناك ملفات فساد متكتم عنها حاليا، لكن الأيام كفيلة بكشفها، خاصة أن لها بعدا دوليا، وهو ما تكشفه الوثائق المسربة من حين لآخر كوثائق "بنما "، وعليه فإننا نعتقد أن وجود صحافة استقصائية نزيهة في الجزائر من شأنه أن يكشف الكثير من قضايا الفساد المتكتم عنها، وما نلاحظه أيضا أن الصحافة الجزائرية في غالبيتها أصبحت مجرد مردد لما بنشر في الصحافة الدولية أو ما تكشفه جهات قضائية أجنبية، وهو ما يحتم على الصحافة الجزائرية وقاعات تحريرها بعث الصحافة الاستقصائية وإحياء هذا النوع الصحفي الحيوي، الذي يعد أهم وسيلة لمحاربة الفساد مع القضاء النزيه.