إسماعيل عزام، الرباط (CNN)— "نخبركم أن القطار القادم من.. إلى سيتأخر عن موعده"، أضحت هذه العبارة التي ترد من مكبرات الصوت في محطات القطار بالمغرب أسطوانة مألوفة للآلاف من المغاربة، ممّن يجدون أنفسهم أمام تأخر يبدأ من عشر دقائق وقد يصل إلى ساعة أو حتى أكثر، لدرجة أن تأخر القطارات أضحى لعنة يومية يجب على المواطن أو الزائر أن يكون محظوظًا حتى لا يقع في شراكها الآخذة في الاتساع.
تأخر القطارات في المغرب ليس قصة جديدة، فاحتجاجات متواصلة تناقلتها الأخبار أكثر من مرة أظهرت مدى السخط المحلي على خدمة عمومية التصق التأخر بها، إذ أضحت مواعيد انطلاق القطارات التي ينشرها المكتب الوطني للسكك الحديدية في موقعه الرسمي معاكسة للكثير من المواعيد الحقيقية على الأرض، ويزيد من السخط كون الإشعار بالتأخر لا يصل إلى المواطنين إلّا وهم في محطات القطارات.
ولا يتسبّب التأخر اليومي للقطارات في تأخر الناس عن مواعيد عملهم (خاصة في المحور بين القنطيرة-الرباط-الدار البيضاء) أو رحلاتهم الصيفية، أو أغراضهم المتعددة، بل يمكن أن يكون سببًا في تفويت موعد ركوب طائرة مع ما يتبع ذلك من خسائر مادية، فحتى القطارات التي تصل إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، أكبر المطارات المغربية، لا تسلم من التأخر.
وبسبب غياب البديل وعدم قدرة الحافلات وسيارات الأجرة الكبيرة على نقل المواطنين بالحجم نفسه الذي تقوم به القطارات، صار المغاربة يتعايشون مع تأخرات القطارات بحيث لم يعد يفاجئهم الصوت الذي يعلن التأخر في كل مرة، غير أن التعايش لا يستمر في كل الحالات، إذ ينفذ الصبر أحيانًا إلى درجة الاحتجاج داخل السكك أو نشر فيديوهات تندّد بالظاهرة أو إنشاء صفحات على فيسبوك تنشر شكاوى الناس.
"تأخر القطارات في بلادنا ليس أمرًا جديدًا، وحالتها المزرية يعرفها المغاربة رغم كل الدعاية عن الجودة التي يقوم بها المكتب الوطني للسكك الحديدية" يقول بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، مشيرًا إلى أن التأخر يبقى أمرًا متفهما إن كان لا يتكرر دائما، لكنه أضحى عادة يومية في المغرب، زيادة على عدم تبليغ الزبون في الوقت المناسب، معتبرًا أن القطارات المغربية لا تزال "تعيش في العقود السابقة ولم تستفد من التطور التكنولوجي في تحسين خدماتها".
ويضيف الخراطي لـCNN بالعربية أن سياسة التعويض التي قالت وزارة النقل والتجهيز إنها تفكر فيها بالنسبة لمن تأخر عنهم القطار غير مجدية: "التعويض ليس حلًا.. الحل هو الحد من ظاهرة التأخر التي تتسبب في التأثير على الحياة العامة، ويمكن للدولة أن تستلهم تجارب عدة دول عالجت هذا المشكل بدل أن تستمر فيه".
ويتابع الخراطي أن المشكل لا يتوقف فقط عند المواعيد، بل كذلك في أسطول القطارات، فهو "غير كافي، وخدماته رديئة، ومن ذلك نظام التبريد الذي يعاني مشاكل كثيرة خاصة في فصل الصيف، كما أن حجم المقاعد لا يلائم أعداد المسافرين.. فإن كانت التذكرة تمثل عقدة بين المسافر والشركة لأجل أن يتوفر على مقعد مريح، فذلك لا يقع في القطارات المغربية التي يضطر معها المسافر للسفر واقفًا في خرق لقانون حماية المستهلك".
في الجانب الآخر، يرى محمد نجيب بوليف، الوزير المنتدب المكلف بالنقل، أن التدبير اليومي للقطارات يقع على عاتق المكتب المكلّف وليس الوزارة التي تنحصر مهمتها، باعتبارها تترأس الجمعية العامة للمكتب ولها عضوية في مجلسه الإداري، في التدبير الاستراتيجي، غير أن ذلك لا يمنعها من متابعة الموضوع وتقديم توجيهات، يقول بوليف، معترفًا بوجود إشكاليات في جودة الخدمات المقدمة.
ويضيف بوليف: "ما وقع هو أن المكتب الوطني للسكك الحديدية لم يُوازن في استراتيجته الجديدة بين تحسين وتقوية البنية التحتية ومن ذلك إنشاء سكك للقطار فائق السرعة، وبين الاهتمام بالجودة والتدبير اليومي والتواصل مع المواطنين. حاليًا هناك أوراش كبرى لتقوية البنية التحتية، وهي التي ساهمت في التأثير على جودة الخدمات" يقول بوليف دون أن يحدّد موعدًا معينا في المستقبل للحد من ظاهرة تأخر القطارات، مكتفيًا بالقول إن الاستراتيجية التي تقوم بها الوزارة ستعطي نتائج إيجابية مستقبلًا.
ويتحدث بوليف، في حديثه لـCNN بالعربية، عن أن الوضع ليس سوداويًا: "المعطيات التي بحوزتنا تشير إلى أن نسبة التأخر تتراوح ما بين 20 و22 في المئة، بمعنى أن كل قطار من خمسة قطارات هو من يتأخر، كما أن دراسة ميدانية أجراها مكتب مستقل بيّنت أن أزيد من نصف زبناء القطارات راضون عن الخدمات.. كما أن تقارير دافوس، jؤكد أن المغرب هو أوّل بلد إفريقي من حيث طول الخطوط السككية، فالقطارات المغربية ليست نقطة سوداء بالشكل الذي يتم تصويره".
وحاولنا داخل CNN بالعربية التواصل مع المكتب الوطني للسكك الحديدية في المغرب، وأرسلنا لأجل ذلك عددًا من الأسئلة إلى القائمين بالتواصل، ورغم تأكيدهم التوصل بالأسئلة، إلّا أننا لم نتلّقى الأجوبة رغم مرور حوالي أربعة أيام على رسالتنا.