تونس (CNN)-- تعدّ جماعة عقبة بن نافع الفرع التونسي المسلح لتنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي أخطر جماعة جهادية تهدد الأمن والاستقرار في تونس، وقد كانت وراء أغلب وأهم العمليات الإرهابية التي استهدفت البلاد. وبعد فترة من الاختفاء والتراجع عادت من جديد لتعلن عن وجودها في آخر عملية إرهابية عرفتها تونس قبل أيام، عندما قُتل ثلاثة جنود في كمين نصبته الجماعة لهم.
هي مجموعة سلفية جهادية كوّنها أمير تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي "أبو مصعب عبد الودود" ويعرف كذلك باسم عبد الملك دروكدال، تترأسها في الغالب قيادات جزائرية وفي فترة وجيزة نجحت في تعزيز صفوفها بمقاتلين من جنسيات مختلفة أغلبهم من الجزائر وتونس وبدرجة أقل موريتانيا والنيجر، هدفها الأساسي زعزعة النظام التونسي وعرقلة الديمقراطية الناشئة من أجل تحقيق حلمها بإقامة أول إمارة إسلامية بشمال إفريقيا.
أصل تسمية هذه المجموعة يرجع إلى اسم القائد “عقبة بن نافع”، أبرز القادة الإسلاميين الذين فتحوا بلاد المغرب بما فيها تونس، تركز عملياتها بدرجة أولى على قوات الأمن والجيش لأنهم في نظرها "طواغيت"، كذلك على السياح وجلّ الأهداف والمؤسسات الغربية في البلاد، فالتنظيم الأمّ يروّج على أنه يسعى لتحرير المغرب الإسلامي من الوجود الغربي والموالين له من الأنظمة وحماية المنطقة من الأطماع الخارجية.
ظهرت جماعة عقبة بن نافع في تونس إلى العلن عام 2011 عقب ارتخاء القبضة الأمنية للدولة في مرحلة ما بعد الثورة واتخذت الجماعة من الجبال الحدودية بين تونس والجزائر المعروفة بالتضاريس الصعبة والوعرة وكذلك الغابات الكثيفة التي تصعب مراقبتها أمنيا مقرا ومركزا أساسيا لها ومجالا للتنقل وفضاءً للتخطيط والتنسيق وأقامت بها معاقل وركزت معسكرات للتدريب والتدّرب.
ويقول باسم السندي، المختص في مجال الحركات والتنظيمات الإرهابية، إن هذه الجبال هي شريان الحياة لهذا التنظيم لأنها المنطلق لتحرّكاته ووسيلة الاتصال بين الخلايا الموجودة في الجانب التونسي ونظيرتها في الجزائر خاصة مدن الشرق الجزائري أين تتركز أغلب عناصر القاعدة بالمغرب الإسلامي وذلك عبر ممرات ومسالك ينتهجونها في تنقلاتهم بين البلدين.
لا يُعرف العدد الحقيقي لعناصر هذه الكتيبة، لكن السندي يرجح في حديث مع CNN بالعربية، أنها تبلغ حوالي 40 عنصرا قارا يتم تعزيزهم بين الحين والآخر بعناصر أخرى إذا كان هناك تخطيط لهجمة إرهابية وذلك حسب التعليمات والخطط ليصل عددها أحيانا الـ100 عنصر.
ومن القادة البارزين في جماعة عقبة بن نافع نجد الأمير أبو يحي الجزائري والذي يصنف من أخطر الإرهابيين في شمال إفريقيا وهو المنسق بينها وبين فرع القاعدة الأم وتوجد تحته قيادات أخرى من الجزائر وتونس ، وتعتمد هذه الجماعة مثلها مثل باقي التنظيمات الإسلامية المتشددة على الكنى في تسمياتها من أجل الحماية الأمنية.
وأمام نجاح قوات الأمن التونسية في القضاء على أغلب القيادات على غرار خالد الشايب المكنى "بلقمان أبو صخر" ومراد الغرسلي المكنى "بأبو البراء"، أضحت الاستراتيجية الجديدة لهذا التنظيم في الوقت الحالي هو إخفاء أسماء قياداتها الجديدة حسب باسم السندي حتى لا تكتشفها المخابرات الأمنية سواء التونسية أو الجزائرية وتبقى بعيدا عن الرقابة والمتابعة.
وأضاف السندي أن مثل هذه الجماعات على غرار جماعة عقبة بن نافع وباقي التنظيمات المرتبطة بالقاعدة لا تقرّ بسهولة بالفشل رغم الهزائم العديدة التي تتعرض لها سواء على مستوى الرصيد البشري أو اللوجستي إذ وسرعان ما تتدارك ذلك بإعادة تعزيز صفوفها وتنظيمها لمواصلة خططها.
وتعتمد جماعة عقبة بن نافع أسلوب المباغتة في تنفيذ عملياتها وقد تورّطت في أغلب وأعنف العمليات الارهابية التي ضربت تونس طوال السنوات الماضية خاصة في المناطق القريبة من الجزائر، ومع ازدياد الحصار عليها أصبحت تعتمد على زراعة الألغام من أجل منع تقدم قوات الأمن وقد أدى ذلك إلى مقتل وإصابة عدد كبير من القوات الأمنية التونسية.
أولى العمليات الإرهابية التي تبنتها كتيبة عقبة ابن نافع كانت في ديسمبر 2012 عندما تم قتل الوكيل بالحرس أنيس الجلاصي في مدينة القصرين، ثم تلاها الهجوم الإرهابي الذي استهدف عناصر من الجيش ليتم ذبح 8 عسكريين مع موعد الإفطار في رمضان سنة 2013 في كمين نصبته لدورية بجبل الشعانبي وسرقت أسلحتهم وبدلاتهم العسكرية.
وفي ماي 2014 قامت الكتيبة بتنفيذ هجوم على منزل وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو سقط خلاله 4 من عناصر الأمن كانوا يحرسون المنزل، بعدها بـ3 أشهر وفي رمضان قُتل 14 عسكريا في جبل الشعانبي إثر هجوم غادر وهو الأسوأ في تاريخ المؤسسة العسكرية التونسية منذ استقلال البلاد عام 1956.
وفي فيفري/فبراير 2015 توّرطت هذه الجماعة مرة أخرى في مقتل 4 أعوان من الحرس التونسي في منطقة بولعابة بمدينة القصرين، بعدها بشهر نقلت عملياتها إلى تونس العاصمة وأعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع على متحف باردو السياحي، وأسفر عن مقتل 22 سائحا.
وبعد أكثر من عام على التراجع عادت جماعة عقبة بن نافع إلى الظهور وأعلنت تبنيها لآخر هجوم إرهابي شهدته تونس مطلع هذا الأسبوع وأسفر عن مقتل 3 عسكريين وإصابة 9 آخرين في جبل سمامة بمدينة القصرين على الحدود مع الجزائر إثر نصب كمين لمدرعتين تابعتين للجيش التونسي.
وخلّص باسم السندي إلى أن جماعة عقبة بن نافع ليست سهلة ولن تستسلم بسهولة وستواصل تمردها على الدولة التونسية من أجل محاولة تغيير الوضع القائم لأنها تمتلك من مصادر التمويل والعتاد والأسلحة والمقاتلين والخلايا الداعمة ما يجعلها صامدة، مضيفا أن ذلك قد يضع مزيدا من الضغط على تونس المطالبة بالحفاظ على استقرارها بتعزيز الحيطة والحذر خاصة على امتداد حدودها مع الجزائر أين تترصد جماعة عقبة بن نافع أي فرصة لتنفيذ هجمات إرهابية.