هذا المقال بقلم ماجدة شاهين، مديرة مركز الأمير الوليد بن طلال للدراسات الأمريكية والبحوث بالجامعة الأمريكية، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
ترامب .. كلينتون.. ترامب.. كلينتون .. في كل يوم تشير استطلاعات الرأي إلى احتمالات جديدة ومختلفة، فلم يمض على مقالي الأخير أكثر من أسبوعين، حينما اعتقدت أنني حسمت فيه الموقف لصالح كلينتون، مرشح الحزب الديمقراطي، وتعاظم احتمالات فوزها في الانتخابات، حيث كانت جميع الشواهد تلوح بفوز مؤكد لكلينتون نظراً إلى الفجوة الواسعة التي كانت بينها وبين غريمها اللدود ترامب مرشح الحزب الجمهوري. فضلاً عن تحول الكثيرين من الحزب الجمهوري ضد ترامب وقيام خمسين من كبار رجال ومسئولي الحزب الذين عملوا في إدارات مختلفة بدءاً من نيكسون إلى بوش الابن بنشر رسالة نصها أنهم لن يقوموا بالتصويت لصالح مرشح حزبهم دونالد ترامب، معللين ذلك بأن الرئيس يجب أن يكون منضبطاً وقادراً على السيطرة على مشاعره وأن تكون تصرفاته لائقة ومتأنية، وهم يرون أن ترامب يفتقر إلى جميع هذه الصفات.
وها نحن اليوم نراجع موقفنا مرة أخرى، ونقف حائرين أمام الانتخابات الأمريكية، وما تأتي لنا به يومياً من مفاجآت غير معهودة في مثيلاتها من الانتخابات في العقود السابقة. فها هي الفجوة تتقلص ويلحق ترامب بمنافسته، غير أن المفاجأة ليست فقط في لحاق ترامب بكلينتون في استطلاعات الرأي بل والتفوق عليها في أكثر من ولاية، تُعرف باسم الولايات المتأرجحة، وهي تلك الولايات التي لم تحسم تصويتها بعد، ومن ثم تصبح قوة جذب أساسية سواء للمرشح الديمقراطي أو الجمهوري، إلا أن المفاجأة الحقيقية هي ما بدأ التلميح إليه عن بديل لكلينتون لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية. وتتردد بالفعل أسماء جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي أو تيم كاين النائب الذي اختارته كلينتون نفسها ليخوض معها الانتخابات العامة، بما يمكننا الجزم أن الانتخابات الباقي عليها أقل من شهرين من الزمن ما زالت تخفي ورائها مفاجآت كثيرة.
***
فإصابة كلينتون بنزلة شعبية حادة، بما تفرضه عليها من وقف حملتها الانتخابية لبعض الوقت إلى جانب ما يبدو عليه من أن الحزب الديمقراطي بدأ يسأم أكاذيب كلينتون المتواصلة وأكاذيب حملتها، سواء بالنسبة لحالتها الصحية أو لمصير مكاتباتها الإلكترونية أو العلاقة المريبة أثناء توليها منصب وزير الخارجية في إدارة أوباما السابقة والعمل لصالح مؤسسة زوجها وابنتها في جمع التبرعات والهدايا. كل هذه الفضائح لا شك لها تأثيرها السلبي على حملة كلينتون الانتخابية وتعمل على تصعيد مشاعر عدم الثقة لدى الناخب الأمريكي. وتطرح التساؤلات لماذا قامت كلينتون بتدمير أكثر من نصف دستة محمول لإخفاء الأدلة حول المكاتبات التي تبادلتها في بريدها الخاص أو تلك التي تم تبادلها بين مؤسسة زوجها الخيرية وكبار الموظفين فيها ومسئولين من وزارة الخارجية في عهد كلينتون. كما يتساءل الكثيرون عن السبب الذي حدا بزوجها التصريح أنه إذا تولت زوجته الرئاسة الأمريكية، فسوف يتنحى من منصبه كرئيس للمؤسسة وسوف تمتنع مؤسسة كلينتون عن تلقي تبرعات خارجية سواء من الحكومات الأجنبية أو رجال الأعمال. وبدأت تعلو الأصوات أنه على الرغم من الخبرة الواسعة التي تتمتع بها كلينتون، فهي في النهاية شخصية فاسدة تتعامل وكأنها فوق القانون وتؤمن أنه لا يمكن المساس بها أو بعائلتها. ومن العجيب أن توالي هذه الفضائح والتشهير بشخصية هيلاري كلينتون تجعل فضائح زوجها النسائية تتضاءل أمام هذه الفضائح، وأصبح ترامب في غنى حتى عن التذكير بها.
وذلك في وقت نشهد فيه تحولا واضحا في طريقة تعامل ترامب مع ناخبيه والوقوف بوقار أمام الجموع التي يتحدث لها بشكل شبه يومي والتصرف بحكمة وعدم الخروج عن النصوص المكتوبة له ولم يعد يتفوه بتعبيرات غير لائقة، فترامب أصبح يتعامل بشكل رئاسي، مثلما سبق أن طالبته زوجته ميلاني به أثناء الانتخابات الأولية، وإثبات أنه قادر على التصرف كرئيس للولايات المتحدة أو على نحو ما تطلق عليه وسائل الإعلام رئيس العالم الحر. واكتسب ترامب مزيداً من الشعبية مؤخراً من خلال المقابلة التي أجراها مع رئيس المكسيك وعودته ليؤكد عدم زحزحته عن رأيه بالنسبة لبناء الجدار على الحدود مع المكسيك وجعل الأخيرة تتحمل تكلفته بغض النظر عما إذا كان تناول ترامب والرئيس المكسيكي هذا الموضوع في مشاوراتهما من عدمه.
***
بيد أن ما قامت به كلينتون، قبل انسحابها لدواعي مرضها، من تسمية أكثر من نصف ناخبي ترامب بأنهم ثلة من البؤساء والمأسوف عليهم وأنهم لا يعدون أن يكونوا من المتعصبين الأغبياء والمتطرفين، أساء إليها كثيراً، على اعتبار أنها بمثل هذا التصريح أثبتت أنها غير قادرة على أن تكون رئيساً لكل الشعب الأمريكي، بل تعمل على ترسيخ التفرقة بين الشعب الأمريكي وتعمق الفجوة بينه. واستخدم ترامب هذا التصريح بنجاح شديد مما دفع بكلينتون إلى الحائط، أو كما نقول بلغتنا الدارجة أعادها إلى خانة اليك، وطالبها بالاعتذار العلني لإهانتها فئة شعب كادحة كل ما تبغيه هو ضمان أمنها وأمن عائلاتها من خلال ما تطالب به من حماية حدودها ومنع تسلل الإرهابيين إلى بلادها. فإنه لا يمكن تسمية مثل هذه الفئة بالمتعصبين أو الأغبياء المتطرفين، بل أنها فئة حريصة على الدفاع عن أمن وسلامة الولايات المتحدة.
وإذا ما ألقينا بنظرة محايدة إلى هذه الانتخابات وما تأتى به إلى السطح يوماً بعد آخر، فلا شك أننا نقف جميعاً حائرين أمام هذين المرشحين وكيف يمكن لأي منهما أن يمثل جموع الشعب الأمريكي الذي أصبح منقسماً على نفسه، وهو ما يعززه مرشحو الحزبين من خلال ما يقومان به كل من جانبه بتوجيه أبشع أنواع الإهانة إلى مؤيدي المرشح الآخر. فإن ترامب هو الآخر ليس معصوماً من الخطأ بل كثيراً ما تجاوز حدود اللياقة في التعامل مع ناخبي المرشح الآخر، فمما لا شك فيه أن الشعب الأمريكي يستحق قدراً أكبر من الاحترام والتقدير من قبل من سينتخبه رئيساً له.
***
وتظهر استطلاعات الرأي من الناخبين المترددين – وهم كثيرون – أنهم لا يثقون بكلا المرشحين وأنهم يؤثرون عدم الإدلاء بصوتهم في انتخابات هذا العام. وعلى كل من كلينتون وترامب أن يبذل مزيداً من الجهد وأن يكون أكثر شفافية وصدقاً ويتفادى أخطاء الماضي إذا ما أراد فعلاً أن تظهر الانتخابات الأمريكية بمظهر لائق يستحق رئيسها لقب رئيس العالم الحر. وعلى الاثنين أن يثبتا أنهما قادران على التحرك إلى الوسط سواء في تعاملهما مع المشاكل الداخلية أو في سياساتهما الخارجية. وما سوف يحسم الأمر هي المناظرات الثلاثة بينهما والتي نتوقع منها الكثير بالنسبة لتناول المسائل بشكل موضوعي وصريح وأن ينجح كلاهما في ضبط النفس والتصرف مع الشعب الأمريكي والعالم الخارجي بشكل رئاسي. وتبدأ أولى هذه المناظرات في 26 الجاري التي نعلق عليها جميعاً الكثير في ظل انتخابات صعبة وتبدو متساوية في إخفاقاتها.