حمزة عتبي، الجزائر (CNN)-- مضت سنة على سقوط أسطورة المخابرات الجزائرية الجنرال محمد مدين المدعو توفيق الذي عمّر على رأس الجهاز لمدة فاقت الـ25 سنة، وتوقف عداد مسيرة الرجل عند قرار صادر من رئيس الجمهورية وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة بإحالته على التقاعد في إطار ما سمي بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتم استخلافه بالجنرال بشير طرطاق.
وتدرج الجنرال بشير طرطاق المدعو عثمان (66 سنة) في عدة مسؤوليات، بدءا بالعمل في مديرية امن الجيش، مما أهله لتولي جهاز مكافحة الإرهاب سنوات العشرية السوداء، وترؤسه مديرية الأمن الداخلي إلى غاية 2013، أين أحيل على التقاعد، ليتم استدعاؤه مرة أخرى ليشغل منصب مستشار أمني ثم منسقا للأجهزة الأمنية، حسب ما صرح به احد مقربيه لـCNN بالعربية.
وتميزت شخصية الجنرال توفيق (77سنة) الذي تسلم مديرية المخابرات سنوات التسعينات مع بداية الأزمة في الجزائر بعدم الظهور في وسائل الإعلام وكذا دوره في تعيين الرؤساء بما فيهم الرئيس الحالي، وفقا للعديد من المعالجات الاعلامية، وبدأت عملية الشرخ في علاقة الرئيس بالجنرال في العهدة الرابعة بعد سلسلة التغييرات التي طالت بعض الرؤوس الأمنية.
ولم تتوقف سلسلة التغييرات التي باشرها رئيس الجمهورية آنذاك عند بعض الأسماء، بل تجاوزتها إلى عملية تقليم أظافر هذا الجهاز بنزع بعض الصلاحيات منه، ليظهر عقبها الصراع للعلن اثر إطلاق الأمين العام للأفلان عمار سعداني تصريحات نارية في حق الجنرال المعزول في خرجة إعلامية غير متوقعة، فُسرت على أنها حرب بالوكالة وإذانا بنهاية الأسطورة.
وبحسب العديد من الشهادات والتقارير الاعلامية، اتسمت مرحلة الجنرال توفيق بإحكام قبضتها على الحياة السياسية والإعلامية، وهو ما تؤكده تصريحات بعض السياسيين والإعلاميين ممن استطلعت الـCNN بالعربية آراءهم، في حين راح البعض الآخر يصف المرحلة الحالية بأنها امتداد للمرحلة الفارطة مع تحول مصادر الضغط من المخابرات إلى أطراف أخرى.
وفي هذا الشأن، يقول رئيس حركة الوطنيين الأحرار المعارض عبد العزيز غرمول، في تصريح لـCNN بالعربية، أن "دور المخابرات الجزائرية في الحياة السياسية قد تقلص كثيرا غير أن تأثيرها ازداد أكثر مع تعدد في مخابر الضغط ، كالعدالة ووزارة الداخلية والقوانين الصادرة عن البرلمان الحالي.
ويتمثل تأثير المخابرات في مرحلة الجنرال المعزول توفيق، حسب غرمول، في "الضغط على القوى السياسية التي بدأت تتشكل لتصبح قوة من خلال تقديم تقارير عن نشاطات هذه الأحزاب والتدخل داخليا فيها عبر تقسيمها أو إثارة النعرات داخل صفوفها أو تتفيهها على المستوى الإعلامي وحصارها"، أما تقييمه للوضع الحالي فيرى غرمول أن "الحياة السياسية تزداد تخلفا وفقدانا للحريات".
في الضفة الأخرى للموالاة، يعتقد الناطق الرسمي باسم حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم في البلاد، حسين خلدون، أن "مراجعة الدستور الأخيرة، جاءت بمفهوم جديد حقيقي وملموس للدولة المدنية ليقطع دابر كل الإشاعات التي كانت تتهم أجهزة المخابرات بالتدخل في الحياة السياسية وفي العملية الانتخابية"، وبالتالي فان الإصلاحات الجديدة جعلت الجهاز "يتفرغ لمهامه المنصوص عليها دستوريا".
وتفادى خلدون في حديثه لـCNN بالعربية، ذكر الأسماء، مركزا كلامه على التغيير الذي حدث على مستوى المخابرات، والذي وصفه بـ"عملية تقنية أملتها جملة من الاعتبارات لدعم جهاز المخابرات أمام تنامي المخاطر المحدقة بالبلد"، ومن هذا المنطلق، ينظر خلدون إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية على انه "تكييف عمل الجهاز الاستخباراتي مع المستجدات الدولية والإقليمية".
ولم تسلم الصحف الجزائرية لمدة فاقت 20 سنة من تدخل المخابرات الجزائرية في عملها عبر تلقيها أوامر بحذف أو نشر معلومة ما، بحكم أن الجهاز كان يمسك سيطرته على الإشهار الذي يعد شريان الحياة للصحافة الجزائرية إلى غاية اليوم، غير أن هذه الخاصية انتقلت في المدة الأخيرة إلى وزارة الاتصال.
وفي هذا الإطار، تقول مدير جريدة الفجر حدة حزام، إن دور المخابرات في الإعلام "كان سلبيا لأن العقيد فوزي لم يتعامل مع الصحافة بعدل وساعد فقط الصحف التي لا تنتقد، فخلق بذلك فوضى بتعدد العناوين التي لا همّ لها غير تقاسم الريع"، أما في الوقت الحالي فالأمور تغيرت، حسبها، إذ تؤكد أن "الكثير من العناوين التي كانت تحت جناح المخابرات تعيش يتما وبعضها اختفى".
وتضيف حزام في حديثها لـCNN بالعربية، أن دور الأجهزة الاستخباراتية "تقلص ليس فقط في الإعلام بل في كل المجالات"، مشيرة إلى أن "قطاع الإعلام تحرر من قبضة المخابرات وسقط في قبضة محيط الرئيس"، في إشارة إلى وزير الاتصال، وتعتقد حزام انه "من الجيد أن ينجح الوزير الحالي في ترتيب بيت الصحافة وإبعاد المتطفلين عنها ليكون البقاء للصحف الجادة فقط".
وعلى النهج نفسه، سار مدير موقع البلاد، أنس جمعة، إذ يرجح "تراجع تأثير جهاز المخابرات في المشهد الإعلامي الجزائري" إلى تحسن الحالة الأمنية في البلاد، وأصبح التأثير، حسبه، "في حدوده الدنيا حتى قبل إحالة الفريق محمد مدين المعروف بتوفيق على التقاعد، وأصبحت العلاقة مع الدوائر الأمنية تتلخص في تأكيد بعض المعلومات الأمنية بما يخدم المصلحة العليا للبلاد".
ولهذا "أعتقد أن هناك تضخيم لنفوذ الأجهزة الأمنية على الإعلام الجزائري، الذي أصبح يواجه تحديات أخرى تختلف عن مرحلة التسعينات تتلخص في التكيف مع المنظومة القانونية الجديدة وإيجاد مصادر دخل جديدة"، على حد تعبير جمعة في حديثه لـCNN بالعربية.
غير أن، رئيس تحرير قناة "الكا بي سي" رياض هويلي، يؤكد في حديثه لـCNN بالعربية، على أن "تدخل المخابرات في عهد اللواء توفيق لم يكن بصفة مباشرة،وإن كان اليوم فهو بصفة مباشرة"، لذلك يرى هويلي انه من الصعب"الحكم على منسوب ومستوى التدخل والفرق بين المرحلتين".