حمزة عتبي، الجزائر (CNN)— مضت 11 سنة على إقرار ميثاق السلم والمصالحة الذي صوت عليه الجزائريون في يوم 29 سبتمبر/أيلول 2005، لوضع حد للمأساة الوطنية المترتبة عن العشرية السوداء التي مرت بها البلاد وكذا إيجاد تسوية قانونية لجميع أطراف الأزمة، غير أن هذا الميثاق وإن كسب رضى فئات معيّنة، فإن فئات أخرى ترى انه لم يحقق مبتغاه والأهداف المرجوة منه.
ويعد ميثاق السلم والمصالحة الوطنية امتدادا لسلسلة خطوات قانونية سبقته، كقانون الرحمة، تلاه مباشرة قانون الوئام المدني، وجاء هذا الميثاق في أعقاب فترة عصيبة كانت تمر بها جراء اللا أمن بعد دخول البلاد في دوامة عنف بعد إلغاء المسار الانتخابي سنوات التسعينات، عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة حاليًا.
وينص الميثاق على تدابير العفو عن "الإرهابيين" الذين سلموا أسلحتهم، باستثناء المتورطين في "جرائم القتل الجماعي وتفجير المنشآت العامة والاغتصاب"، كما يشمل القانون أيضا المحكوم عليهم غيابيا، فضلا عن إقرار تعويضات مالية لأسر ضحايا الإرهاب والمفقودين.
وينظر ضحايا الإرهاب إلى الميثاق على أنه كان سببا في استتباب الأمن وعودة الاستقرار إلى البلاد، وفق ما تؤكده رئيسة المنظمة الوطنية لضحايا الإرهاب فاطمة الزهراء فليسي في حديثها الـ CNN بالعربية.
وذكّرت فليسي بمطلب المنظمة المرفوع إلى الحكومة ورئاسة الجمهورية، والرامي إلى سن قانون خاص بضحايا الإرهاب، بهدف الحفاظ على ذاكرة شهداء العشرية السوداء وضرورة تعزيز الحقوق المعنوية والمادية لأسر الضحايا والتكفل اجتماعيا بعائلاتهم، بخاصة اليتامى منهم، داعية الجهات الوصية إلى الوقوف بجنب الضحايا الذين قدموا ما عليهم اتجاه الوطن في عزّ الأزمة.
ويقول رئيس اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني في اتصال مع الـCNN بالعربية، إن المصالحة الوطنية حققت 95 في المئة من أهدافها باعتراف الجميع، غير أن هناك تدابير تكميلية لازالت عالقة وهي من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي تخول له المادة 46 من القانون ذلك، وإلى الآن، لم يبادر الرئيس بأي مبادرة تصب هذا المنحى.
ويندرج ضمن الخمسة في المئة المتبقية عدة ملفات عالقة تنتظر التفاتة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للفصل فيه وفقا لما يخوّله له القانون ومن بين الملفات التي لازالت عالقة ولم تنطبق عليها قوانين الميثاق ولم تستثنهم ملف السجناء السياسيين الذي بقي يراوح مكانه.
وفي صلب الموضوع، انتقد رئيس تنسيقية السجناء السياسيين مصطفى غزال، في حديثه لـCNN بالعربية، ميثاق المصالحة الذي اعتبره "صنيع المخابرات الجزائرية بالتوافق مع المسلحين من الجيش الإنقاذ الذين أنجحوا المصالحة"، غير انه بعد رئاسة بوتفليقة "استُغل الملف سياسيا على أنه انتصار على الإرهاب و اعتبر المصالحة ما هي إلى تصالح بين الغالب والمغلوب".
ويوضح غزال أن "المصالحة جاءت لتطلق بعض السجناء و تبقي على الكثير منهم بدون مبررات واضحة"، مشيرا إلى أن "سجناء المحاكم العسكرية سواء مدنيين أو عسكريين استثنوا من المصالحة منذ 24 سنة"،وتأسف محدثنا على مآل المصالحة، التي "بدأت بإخلاص من أجل حقن الدماء واستغلت من طرف سماسرة السياسة للوصول إلى السلطة".
ومن بين الملفات الأخرى العالقة نجد ملف المفقودين، رغم أن الميثاق شملهم، لكن مأساتهم لم تنته، ويقول بلعمرانية جهيد المهتم بملف المفقودين وابن احد الضحايا، في اتصال مع الـCNN بالعربية، أن "لو لم يتم إقرار قانون المصالحة، لكان الأمر أفضل، لأنه يعتبر قنبلة موقوتة للجزائر بصفة عامة لأنه يكرس منطق الإفلات من العقاب ضد القيادات الأمنية والعسكرية التي تورطت في الجرائم".
ويضيف بلعمرانية، أن "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية يتنافى مع أهم وثيقة قانونية وهي الدستور، لأن القانون يمنع علينا مقاضاة هؤلاء القيادات، في حين أن الدستور يضمن للمواطن حرية التقاضي".
وينص الميثاق في بنده الرابع على هذه الفئة ويعتبر أن "الأفعال الجديرة بالعقاب المقترفة من قبل أعوان الدولة الذين تمت معاقبتهم من قبل العدالة كلما ثبتت تلك الأفعال، لا يمكن أن تكون مدعاة لإلقاء الشبهة على سائر قوات النظام العام التي اضطلعت بواجبها بمؤازرة من المواطنين و خدمة للوطن".
وبناء على ما تقدم ذكره، يرى اللواء عبد العزيز مجاهد، في حديثه لـCNN بالعربية، قبل إصدار أي أحكام على الميثاق، أنه من الضروري تنظيم جلسات نقاش بين خبراء في جميع التخصصات لمناقشة المسار كاملا من فترة محمد بوضياف إلى علي كافي إلى اليامين زروال وصولا إلى الرئيس بوتفليقة، حتى يتسنى لنا تقييم ما تحقق وحصر النقائص إن وجدت والبحث عن طرق علاجها".