سامي المودني-- على عكس الطفرة التي شهدتها تمثيلية النساء على مستوى مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان المغربي)، ظلت تمثيلية النساء في المجالس الجماعية والجهوية تراوح مكانها منذ أول انتخابات بلدية عرفها المغرب سنة 1960 إلى حدود الاستحقاقات الانتخابية على مستوى الجماعات المحلية والإقليمية والمجالس الجهوية لعام 2015. هذه الاستحقاقات شكلت فرصة لانتخاب 6673 منتخبة جماعية، ما يشكل تقدما كبيرا جدا بالمقارنة مع المحطة الانتخابية السابقة سنة 2009. تطور يفرض على وسائل الإعلام الوطنية التعامل بمنطق مهني مغاير مع مشاركة النساء في الفعل السياسي. فهل واكبت وسائل الإعلام الوطنية مشاركة المرأة المغربية في الانتخابات الجماعية الماضية بنفس حجم التقدم الحاصل على مستوى التمثيلية النسائية في المؤسسات المنتخبة؟
يصـل عدد النساء المنتخبات في مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى في البرلمان) المنتخب سنة 2011، إلى 67 امرأة برلمانية. ستون نائبة، التحقت بالغرفة الأولى للمؤسسة التشريعية، عبر آلية "اللائحة الوطنية" التي نص عليها القانون الانتخابي المغربي. فـي حين، تمكنت سبع نساء فقط، من ولوج قبة البرلمان عبر الترشيح في القوائم المحلية، من أصل 75 امرأة اخترن النزول إلى الميدان وعدم الاعتماد على اللوائح الوطنية للأحزاب المخصصة "للكوطا النسائية"، أي بنسبة 3.75% من مجموع المرشحين مقارنة مع نسبة 3% قبل أربع سنوات.
ويصل عدد النواب البرلمانيين في المغرب اليوم إلى 395، تمثل النساء بينهم 16%، ما يمثل زيادة بـ6% مقارنة مع البرلمان المنبثق عن انتخابات 2007.
في مقابل هذا الارتفاع الطفيف للتمثيلية النسائية على مستوى مجلس النواب، ظلت التمثيلية النسائية على مستوى المجالس الجماعية والجهوية تراوح مكانها، بنسب مئوية صغيرة جدا من مجموع المنتخبين الجماعيين. فكانت الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2015 المخصصة لمجالس الجماعات والجهات، فرصة أمام الحكومة والجهات الوصية على عملية الاقتراع من أجل تصحيح هذا الاختلال، بسن تمثيلية نسائية إجبارية عبر إقرار آلية "الكوطا" للنساء في المجالس الجماعية والجهوية، واتخذت الحكومة عددا من التدابير القانونية والتنظيمية حتى تكون نسبة النساء المنتخبات أكثر مما كانت عليه في الماضي.
ونتيجة لذلك، انتقل عدد المنتخبات في الاستحقاقات الجماعية من 3465 سنة 2009 إلى 6673 عام 2015. أي أن عدد النساء المنتخبات تقدم بنسبة 92.6% بين المحطتين الانتخابيتين. وفي إطار تشجيع الأحزاب السياسية على الدفع بالنساء إلى واجهة العمل الانتخابي، لم تكتف الحكومة بإقرار مبدأ "الكوطا" وإنما أقرت بابا يتعلق بتمويل الأحزاب السياسية، ينص على أن كل امرأة منتخبة ستحصل على تمويل 5 مرات أكثر بالنسبة إلى حزب سياسي من رجل منتخب.
أمام هذا القدم الحاصل على مستوى تمثيلية النساء في تسيير الشأن العام، وإن لم يرق بعد إلى مستوى تطلعات الحركة النسائية، يطرح السؤال بشأن واقع مواكبة وسائل الإعلام لمشاركة النساء في تسيير الشأن العام.
الإعلام ومشاركة النساء في العمل السياسي
إذا كانت تمثيلية النساء قد انتقلت من 2% سنة 1997 إلى 27 % داخل المجالس البلدية والجهوية سنة 2015، فإن وسائل الإعلام السمعية البصرية منحت الكلمة خلال تغطيتها لأطوار الحملة الانتخابية للاستحقاقات الجهوية والجماعية، لـ105 امرأة، من أصل 468 متدخلا، أي ما يمثل نسبة 22.44%، من مجموع حضور ممثلي الأحزاب السياسية في وسائل الإعلام السمعي البصري. ووفق تقرير الهيأة "العليا للاتصال السمعي البصري" فقد استغرقت مداخلات ممثلات الأحزاب السياسية في وسائل الاتصال السمعي البصري، 18 ساعة و31 دقيقة و38 ثانية، أي بنسبة 19.15 %، من مجموع الحجم الزمني العام لمداخلات ممثلي الأحزاب السياسية، التي بلغت 96 ساعة، و44 دقيقة و21 ثانية.
هذا التقرير ليس الفريد من نوعه، الذي تناول تغطية مشاركة النساء في الاستحقاقات البلدية والجهوية، بل هناك أيضا تقرير "للجمعية الديمقراطية لنساء المغرب"، الذي جاء فيه أن حجم تغطية الصحافة الورقية الحزبية أو الخاصة الصادرة بالعربية أو الفرنسية المبنية على مقاربة النوع الاجتماعي تميز بـ"الضعف"، ولم يتجاوز حدود 56%، علاوة على تراجع حضور المرأة على مستوى المادة الإعلامية كمنتج أو كمصدر للمعلومة. هذه المعطيات تضعنا أمام "حقيقة إعلامية" تؤكد أن وسائل الإعلام لم تواكب بما فيه الكفاية مشاركة النساء في الحملة الانتخابية. فإذا كانت النساء يمثلن اليوم ثلث أعضاء المجالس البلدية والجهوية، فإنه من غير المقبول على مستوى الكم على الأقل أن لا يساهمن في الحملة الانتخابية من خلال الحضور الإعلامي سوى بخمس الحصة المخصصة لتغطية الحملة الانتخابية.
في المقابل، وجب التأكيد على أن هذه الحصيلة لا تتحملها وسائل الإعلام لوحدها، بل المسؤولية الأكبر تتحملها الأحزاب السياسية التي لا تنتدب النساء للمشاركة في البرامج المخصصة للحملة الانتخابية، فكيف يعقل مثلا أن برنامجا مخصصا للحملة الانتخابية على قناة ميدي 1 تيفي الإخبارية، كانت نسبة الرجال المنتدبين فيه من لدن الأحزاب السياسية تتجاوز عتبة 85%، في المقابل نادرا ما تابعنا امرأة على البرنامج نفسه، قام حزبها السياسي بانتدابها لتمثيله.
وبما أن وسيلة الإعلام تشكل رافعة للدفع باتجاه المسلسل الديمقراطي إلى الأمام، فإن تعزيز الحضور الإعلامي للنساء السياسيات يدخل ضمن هذا الإطار. فوسيلة الإعلام لا تكتفي فقط بالإخبار وعدم تجاوز عتبة "المعلومة" ولكنها آلية للرفع من وعي المواطنات والمواطنين بشأن أهمية المشاركة السياسية والعملية الديمقراطية ككل، عملية لا تستقيم دون مشاركة المرأة فيها كفاعل محوري داخلها. فإذا منحت اللعبة الديمقراطية 27% من المقاعد لصالح النساء في إطار "الكوطا" باعتبارها تمييزا إيجابيا تجاه المرأة، فإن وظيفة وسائل الإعلام البحث عن مكامن الخلل، التي تكـبـح وصول النساء إلى مراكز القرار بشكل عام، وبالتالي الدفع في تجاه تجاوزها.
لكن، هذا التوجه غير حاضر لدى أغلب وسائل الإعلام الوطنية التي غيبت مقاربة "النوع الاجتماعي" التي تدافع عليها عدد من المنظمات الدولية، إذ نلاحظ مثلا، فيما يخص المواقع الإخبارية الإلكترونية، حسب ما أورده تقرير "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب"، أن مستوى المعالجة الإخبارية للحضور النسائي، لم يتعد معدل المعالجة الإيجابية نسبة 12%، مع ارتفاع في نسبة المعالجة المحايدة إلى 85 %، وفي عدد الصحافيات المتابعات للشأن الانتخابي (30%)، مقابل تراجع على مستوى حضور النساء كخبيرات وكمصدر للمعلومة.
قد يعتقد البعض أن هذا "التمييز الإعلامي الإيجابي" تجاه المرأة يمكن أن يشكل ضربا للقواعد المهنية للصحافة، وهو رأي مردود عليه مادامت مهنة الصحافة تحكمها مجموعة من القواعد الأخلاقية أيضا، التي من بينها عدم الدعوة إلى التمييز على أساس الجنس أو اللون أو العقيدة...وأيضا، الدفاع عن الديمقراطية التي لا تستقيم دون دور للإعلام في نشر ثقافة المساواة والمناصفة.