ليبيا (CNN)-- قبل خمس سنوات من اليوم، قُتل العقيد معمر القذافي وسقط معه نظاما حكم ليبيا لمدة فاقت الأربعة عقود ليترك مكانه لنظام لم تتحدد ملامحه بعد، ومع كل ذكرى تتجه آمال الليبيين وأحلامهم في بناء دولة حقيقية نحو التضاؤل. البعض يحمّل فترة حكم القذافي مسؤولية ذلك لكن آخرون دفعتهم الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد إلى التحسر على عهد القذافي.
وقتل القذافي يوم الخميس 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 عن عمر يناهز 69 سنة على يد مجموعة من الثوار المناهضين لنظامه إثر محاولته الاختباء في نفق لتصريف المياه بعد الهجوم على موكبه من قبل طائرات حلف شمال الأطلسي في مدينة سرت مسقط رأسه.
واستحضر الليبيون اليوم على حساباتهم بالشبكات الإجتماعية الصور والتسجيلات التي وثقت اللحظات الأخيرة في حياة القذافي كما قاموا بنشر أجزاء من أهم خطاباته وصورا لملابسه الفريدة وتصرفاته الغريبة خلال مختلف مراحل حكمه.
وحكم القذافي ليبيا إثر انقلاب عسكري على الملك إدريس عام 1969 أطلق على تسميته "ثورة الفاتح من سبتمبر"، وخلال فترة حكمه الطويلة لليبيا مرّ بمراحل عديدة وأدّى أدوارا متنوعة كما أسسّ دستورا ونظاما فصلّه على مقاسه ووصلت طموحاته حدّ منح نفسه لقب "ملك ملوك أفريقيا".
وخلال مرحلة قيادته للبلاد حققت ليبيا أعلى المعدلات في مؤشر التنمية مقارنة بالدول الإفريقية الأخرى بسبب المداخيل النفطية المرتفعة، حيث عمل القذافي على تطوير البنية التحتية وتوسيع شبكة التعليم والرفع من مستوى المعيشة إضافة إلى تطوير الإستثمار داخل ليبيا وخارجها، لكن في المقابل ظلت كل الحريات ممنوعة واتسم حكمه بالدكتاتورية والقسوة والانتقام من معارضيه.
وبعد خمس سنوات على وفاته ونهاية نظامه، تدمرت البنى التحتية الأساسية في أغلب مدن البلاد وتوقف إنتاج النفط وتصديره وانتشر السلاح وتعزز الإرهاب والتهريب وباتت البلاد مهددة بالتقسيم بين الشرق والغرب بسبب الصراع على السلطة.
ورغم المجهودات التي بذلتها منظمة الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية إلا أن الخلافات عصفت بأي فرصة لترسيخ حكم ديمقراطي وبناء دولة حقيقية إلى حد اليوم. أوضاع أنهكت الليبيين وأثارت لدى الكثير منهم حنينا إلى عهد القذافي بينما ازداد سخط البعض الآخر على فترة حكمه معتبرين أنها سبب مشاكل ليبيا الحالية.
أحمد العيساوي رئيس الشبكة الليبية للشباب أقرّ في تصريح لـCNN بالعربية وجود حنين لدى عدد من الليبيين لفترة حكم القذافي، خاصة من قبل أنصاره ومن القبائل التي كانت تعمل في منظومته سواء في أجهزة الأمن أو من اشتغل في مؤسساته المدنية التي كانت تسمى بالأمانات.
وأضاف أن أبناء ثورة 17 فبراير في المقابل يحمّلون مسؤولية ما يحدث الآن بليبيا للنظام الجماهيري الذي كان يتزعمه القذافي خاصة فيما يتعلق بانتشار الأسلحة بسبب أن القذافي هو من أمر بفتح المخازن وتوزيع الأسلحة على المدنيين غير المنضوين تحت منظومة عسكرية.
ولا يزال العقيد معمر القذافي إلى اليوم يحظى بولاء عدد كبير من القبائل الليبية خاصة في بعض مدن الشرق والجنوب إضافة إلى مدينة سرت مسقط رأسه، ويعيش العديد من أنصاره في تونس ومصر ويعتبرون أن الفوضى التي تعيش فيها البلاد في الوقت الراهن دليل على مدى قدرة معمر القذافي على قيادة البلاد وقوته في المسك بزمام الأمور.
حسام بن عامر من أنصار نظام القذافي، صرّح أنه مع نهاية حكم معمر القذافي بدأ الدمار في ليبيا، مضيفا أن القذافي سيبقى "خالدا في تاريخ ليبيا لأن له من المؤهلات ما جعله يتحكم في بلد مثل ليبيا بتركيبتها الإجتماعية المتنوعة ويحافظ عليها من كل الأطماع الخارجية والمؤامرات الاجنبية التي كانت تترصدها".
وتابع في حديث مع CNN بالعربية قائلا:" صحيح أنه كان متحكما في كل شيء لكن من أجل مصلحة البلاد والواقع فرض عليه ذلك، من الطبيعي وفي كل دولة وجود بعض المشكلات والمطالب والنواقص، لكن هل تحققت الآن؟ انظروا حالة ليبيا، لقد ضاعت ونُهبت ثرواتها وقُتل أبناؤها وشرّد آخرون ولا نعرف ماذا سيحدث غدا، هناك من ندم على الوقوف ضدّه، لكن الندم لا ينفع الآن".
في المقابل اعتبر أحمد القرقعي أحد الناشطين في جمعية ائتلاف 17 فبراير، أن الوضع الحالي هو "نتاج لـ 42 سنة من الجهل والتخلف وغياب دولة المؤسسات"، مضيفا أن معمر القذافي وحاشيته هم "سبب ما تعيشه ليبيا الآن من أزمات في كل المجالات".
وقال:" 42 سنة من دون تعليم حقيقي ومتطور. سنوات ضاعت خلالها أجيال من الشباب الذين يعدّون القوة الحقيقية لكل دولة، انتشار التطرّف الآن سببه نظام القذافي المتخلف، لامساواة ولا عدالة لا حقوق سياسية ولا اقتصادية، غيبّ كل مؤسسات الدولة والقانون وحوّلها إلى شخصه، نعم كل ما نعانيه اليوم هو نتاج إرث وتركة نظامه وأخطائه ولا أعتقد أننا سنتجاوز ذلك بسهولة".