الجزائر (CNN)— شكّل خبر استقالة عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير، من منصبه، العلامة الفارقة في الشأن الجزائري خلال اليومين الماضيين، إذ يعدّ سعداني واحدًا من أشهر رجال السياسة في الجزائر، وعُرف على الدوام بتصريحاته المثيرة للجدل.
وإن برّر سعداني، زعيم الحزب الحاكم في الجزائر، استقالته لـ"دواع صحية"، مؤكدًا أن قراره لا رجعة فيه، فإن تأويلات رحيل الرجل عن الحزب تعددت في الجزائر، لا سيما وأن الاستقالة تأتي أسابيع قليلة بعد خطاب شهير له، هاجم فيه مجموعة من الشخصيات، منها الأمين العام السابق للحزب عبد العزيز بلخادم، واتهمها بالعمالة لفرنسا، ممّا جعل البعض يصف القرار بالإقالة.
وجاءت الاستقالة مفاجئة للحزب الذي يملك أغلبية البرلمان خاصة وأنه مقبل بعد أشهر على خوض الانتخابات التشريعية، وقد آل المنصب إلى جمال ولد عباس، باعتباره الأكبر سنًا وفق ما تنص عليه قوانين الحزب، وهو سياسي مقرب من عائلة بوتفليقة، وسيبقى زعيما للحزب إلى غاية المؤتمر العادي القادم، أي أن الحزب لن يدعو لأيّ مؤتمر استثنائي ينتخب بموجبه أمينًا عامًا جديدًا.
ورغم أن سعداني لم يعمر على زعامة الحزب سوى ثلاث سنوات، إلّا أنه خلق لاسمه هالة بالبلاد، إذ وجه اتهامات لمحمد مدين، الرئيس السابق للمخابرات الجزائرية، وهذا الأخير لا يزال في منصبه، غير عابئ بكل ما يقال حول قوة مدين التي جعلته أحد ركائز الدولة الجزائرية في العقود الثلاثة الماضية، كما دافع باستماتة عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي ينتمي للحزب ذاته، في وجه المنتقدين، خاصة من ركزوا على حالته الصحية، وحافظ كذلك على علاقات قوية بالمؤسسة العسكرية، لا سيما قائد الأركان، الفريق أحمد قايد صالح.
ويرى الدكتور يوسف ين يزة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باتنة، أن سعداني قد يكون استقال أو أقيل، وأن هذا القرار أتى لـ"طي مرحلة حساسة وحاسمة من الممارسة السياسية في البلاد دامت حوالي أربع سنوات وشهدت أحداثا مفصلية غير مسبوقة كان سعداني يمثل خلالها لسان صناع القرار الحقيقيين"، معتبرًا أن سعداني، ومن خلال خطاباته النارية، أضحى "مؤشرا على تأرجح التوازنات داخل منظومة الحكم".
ويتابع بن يزة لـCNN بالعربية: "يظهر أن رحيل سعداني يندرج ضمن هذه التوازنات، فالنظام السياسي في الجزائر بحاجة الآن إلى إعادة ترتيب أوراقه استعدادا للاستحقاقات القادمة، وهذا يتطلب شخصيات جديدة وميكانيزمات جديدة تضمن له الاستمرارية"، لافتًا بهذا الصدد إلى وجود فرضيتين رئيسيتين، الأولى أن سعداني راح ضحية هذه التوازنات، والثانية أن هناك خارطة جديدة للمرحلة القادمة تقتضي رحيل رموز المرحلة السابقة.