رأي: محاربة الفساد بالمغرب.. من أجل تدابير أكثر فعالية

العالم
نشر
8 دقائق قراءة
تقرير ياسين أعليا
رأي: محاربة الفساد بالمغرب.. من أجل تدابير أكثر فعالية
من مظاهرات حركة 20 فبراير بالمغربCredit: FADEL SENNA/AFP/Getty Images
هذا المقال بقلم ياسين أعليا، أستاذ اقتصاد، حاصل على الإجازة في العلوم الاقتصادية و ماستر في الشؤون الدولية، باحث في السياسات العمومية وعضو مكتب مبادرة طارق بن زياد بالمغرب، وكاتب ومدون.    لا يعبّر المقال عن رأي CNN.

 كما هو الحال بعدد من دول منطقة شمال أفريقيا و الشرق الأوسط، يعاني المغرب من معضلة الفساد المالي والإداري المستشري في بنيته الاقتصادية والاجتماعية. وقد أطلقت الحكومة المغربية في نهاية سنة 2015 خطتها العشرية تحت مسمى "الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد" و التي سيمتد تفعيل بنودها  برامجها إلى حدود سنة 2025، و قد جاءت هذه الاستراتيجية والولاية الحكومية للائتلاف الحاكم على مشارف نهايتها. 

و لا أدل على تغلغل ظاهرة الفساد و استحكامها من الرتبة التي يحتلها البلد في عدة مؤشرات دولية مثل سلم مؤشر مدركات الرشوة الصادر عن منظمة الشفافية الدولية "ترانسبرنسي انتيرناسيونال" لسنة 2015، المغرب في الرتبة 88 مجاورا بلدانا كالجزائر و مصر و متخلفا عن قطر(22) والامارات العربية (23) و الأردن (44) العربية السعودية(48) و تونس(76)، و كذلك مؤشر دور العدالة الصادر عن منظمة مشروع العدالة العالمية المغرب 102/55، الإمارات العربية(27)،  الأردن (41)، تونس(43)، و مؤشر الحرية الاقتصادية بالعالم العربي الصادر عن معهد فرايزر المغرب (12)، الأردن (2)، الإمارات العربية(3)، قطر(7) و العربية السعودية(8).

و نتيجة لهذا الوضع، فإن البلد يؤدي فاتورة مكلفة بالنسبة لمعدلات النمو تقارب مليار دولار سنويا و يحرمه من نقطة إضافية في معدل النمو السنوي للناتج الداخلي الخام . و مما لا شك فيه، فإن للظاهرة جذورا تاريخية متعمقة. فالنظام السياسي المغربي مبني على قاعدة الريع الاقتصادي مقابل الولاء للنظام الحاكم منذ ظهور الدولة المغربية المستقلة عن الخلافة الإسلامية المشرقية، حتى حدود فرض الحماية الفرنسية على البلد سنة 1912 والتي عملت على تكريس الوضع و الاستفادة من الولاءات القبلية مقابل الفساد والاستغلال غير العادل للأعيان و المعمرين للثروات.

ومع بداية الدولة المغربية الحديثة لفترة ما بعد الحماية، طفا على السطح نزاع الشرعية و التحكم في السلطة في مغرب الاستقلال ما بين المؤسسة الملكية و الأحزاب الوطنية المساهمة في معركة التحرير و المؤسسة العسكرية. و شجع هذا التنازع على استمرار الممارسات الفاسدة و غض الطرف عنها في مقابل ضمان التبعية و توطيد دعائم السلطة الملكية.

وهكذا صار الفساد أكثر توحشا وانتشارا في الإدارة والجيش والأحزاب السياسية ومحيط الملك وإدارة المخزن و القضاء، بل أن الأمر وصل لدرجة التطبيع المجتمعي مع الفساد و تسويغه والسعي للاستفادة منه، ومن ذلك حث النخب والأطر على استغلال الفرص و الانخراط في منظومة الفساد المتشعبة، ما دام مبدأ اللاعقاب و اللاحساب هو السائد. ولم ينخرط المغرب فعليا في محاربة الفساد إلا مع مطلع الألفية الحالية، و إن كانت درجة انخراطه محتشمة و غير كافية لانتشال البلد من الوضع الذي عاشه طيلة 60 من الاستقلال.

ويأتي اعتماد الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد في سياق دستوري جديد، إذ تم التنصيص لأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية على مبدأ الحكامة الجيدة و أفرده دستور 2011 بالباب الثاني عشر. و هكذا وردت مبادئ أساسية لعمل المؤسسات العمومية في الفصول ما بين 154 و 170 كالشفافية والمحاسبة والمسؤولية والنزاهة والمصلحة العامة.

ومن جهة أخرى، يشكل سياق تكليف حكومة السيد عبد الإله بنكيران على أساس قاعدة انتخابية منبثقة عن موجة الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الفساد زخما للعمل الحكومي في هذا الاتجاه.  و هكذا بعد طول انتظار، صادقت لجنة الإشراف على إعداد الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد على صيغتها النهائية بتاريخ 28 دجنبر (كانون الأول) 2015 بعدما توافق بخصوصها ممثلين عن القطاعات الوزارية و المؤسسات العمومية المعنية و ممثلي الهيئات المهنية و خبراء عن مكتب دراسات دولي بالإضافة لتمثيلية ترانسبرنسي المغرب كفاعل عن المجتمع المدني.

ولا بد من إبداء مجموعة من الملاحظات حول منهجية الإعداد و آفاق التنزيل و معيقاته وعلى أساسها ضعف إجراءات محاربة الفساد. فمنذ تنصيب حكومة السيد بنكيران في 14يناير2012 و هي تحاول فتح جبهة الفساد و محاربته، غير أنها افتقدت في أغلب القرارات و الإجراءات التي اتخذتها للجرأة السياسية اللازمة و القدرة على مواجهة جبهة الفساد المستحكمة في دواليب الإدارة العمومية.

 كما تأخر الإعلان عن الاستراتيجية حيث انتظرت الحكومة المغربية السنة الأخيرة من ولايتها، وهي على مشارف الانتخابات التشريعية لتعلن عن إستراتيجيتها لمحاربة الفساد مما يدفعنا للتساؤل عن الهامش الزمني القصير الذي أتاحته لها من أجل تحقيق إنجازات ملموسة بخصوص محاربة الفساد. ولا يجب أن ننسى التكلفة المالية المرتفعة  فمقتضيات الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد تستلزم غلافا ماليا مهما قدره 1,8 مليار دهم، غير أن الحكومة المغربية لم تحدد بشكل مبدئي مصادر التمويل...

إن فتح جبهة محاربة الفساد و الحد من آثاره يفترض اعتماد مقاربة نوعية تضع نصب أهدافها اجتثاث منظومته وعدم الاكتفاء بمحاربة مظاهره فقط، و لعل هذا لن يتحقق سوى بسياسة واضحة المعالم والأهداف تعمل على تجفيف منابع بركة الفساد الآسنة. وللمساعدة على تحقيق هذا المبتغى يجب العمل على التنزيل السريع لإصلاح منظومة القضاء المغربي، وإعطاؤها الأولوية في المشروع الإصلاحي. فمنظومة العدالة هي الضامن الأساس للجانب الجزري الضروري لكل سياسة تروم محاربة الفساد، وتخفيف العبء الضريبي على جميع الفاعلين الاقتصاديين، مما سيتيح لهم تحسين قدرتهم الشرائية والدفع بعجلة الطلب الداخلي الضروري للنمو الاقتصادي، والمرادف لتحسن الظروف المعيشية وشيوع ثقافة الاستحقاق.

كما يجب إعمال القانون وتطبيق النصوص الزجرية في حق كل من ثبت في حقه الإخلال بالواجب المهني أو استغلال المناصب في الاغتناء اللامشروع، بعيدا عن الانتقائية المعمول بها حاليا، وباعتماد تشريعات تنص على رفع الحصانة و إخضاع المناصب السياسية لسلطة المحاكم المالية.

وتهدف المقترحات المذكورة إلى تحقيق غاية كبرى هي أساس النظم المجتمعية الأكثر شفافية و هي الحرية الاقتصادية. فباعتماد هذه الإجراءات تكون الدولة قد قامت بدورها الأساسي في توفير بنية تشريعية و قانونية تحارب الاحتكار واستغلال السلطة وتنظم السوق وفق مبادئ المنافسة الحرة التي تتيح للجميع فرصة الاستثمار والربحية بتوافق مع الجهد والاستحقاق، مما يحيلنا على منظومة تحارب الفساد بمبادئها وبنيتها الاقتصادية.

إن محاربة الفساد في المغرب تحتاج رجة عنيفة لتكسير بنى إقطاعية عتيقة تم تغليفها بمسوح حديثة، والحرية الاقتصادية هي معول الهدم الذي يقدر على ذلك، فهل نربح الرهان؟.