رأي: مشاكل قطاع المحروقات في الأردن بين الاحتكار ومعاناة المستهلك
العالم
نشر
8 دقائق قراءةهذا المقال بقلم سوزان عفيفي، باحثة في وزارة التخطيط
والتعاون الدولي، حاصلة على شهادة الماجستير تخصص اقتصاد سياسي دولي،
عضو مؤسس في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني، لها العديد من
الأوراق البحثية في مؤتمرات محلية ودولية.
سوزان عفيفي-- يعد قطاع الطاقة من أكبر القطاعات
التي تواجه تحديات متشابكة وكثيرة في الأردن، لاعتباره المحرك الرئيس
لعجلة الاقتصاد. فالمملكة تعتمد كلياً على استيراد الطاقة لتلبية
احتياجاتها الاقتصادية والتنموية، في حين لا تنتج سوى (3%) من
احتياجاتها من الطاقة، مستهلكة ما مقداره 120 - 140 ألف برميل نفط
يومياً، ونحو 130 ألف طن من المحروقات. إضافة إلى أن كلفة
الطاقة المستوردة تشكّل أكثر من خمس الناتج المحلي الإجمالي،
فيما تشكل المشتقات النفطية حوالي 66% من مجموع المستوردات،
حيث سجلت نسبة ارتفاع في العام 2014 مقدارها (9%)، عن العام
2013.
ويوازي تلك التحديات، معاناة المستهلكين
والمستثمرين من تعدد في أشكال الضرائب وارتفاع في قيمتها، فالضريبة
على البنزين أوكتان ( 95 ) تصل إلى 40%، و24% على الأوكتان (90)
، وضرائب أخرى تفرض عند احتساب كلف الشحن والتأمين والفواقد ورسوم
الموانئ وأجور التخزين، وعمولة الشركات التسويقية، وضرائب خاصة،
وضريبة مبيعات وما إلى ذلك. يضاف إلى ذلك
انتهاج الحكومة مبدأ التسعير الشهري للمشتقات النفطية ، وضعف
البدائل الحكومية التي تعزز قيم التنافسية والإنتاج في استراتيجياتها
المتعلقة بالطاقة، وهو ما يفسره الاحتكار الذي مُنح لشركة مصفاة
البترول الأردنية في عملية تكرير النفط، وحصر خيار التوزيع والتسويق
بيد ثلاث شركات، تشكل ائتلافاً ما بينها لمواجهة السياسات العامة،
تاركة أثرها على قدرات وحاجات المستهلكين الذين تعرضوا للضرر من
طرفي المعادلة في إنتاج وجودة وسعر هذه السلع.
وتبرز إشكالية قطاع المحروقات في الأردن في أن السياسات
والاستراتيجيات الحكومية تنحصر ببدائل تعزز ممارسة الاحتكار، ولا تؤسس
لسوق تحكمه قيم الحرية والتنافسية والإنتاج، وذلك من خلال منح شركة
مصفاة البترول الأردنية احتكار عملية تكرير النفط منذ تأسيسها وحتى
منتصف العام 2019. حيث تعد مصفاة البترول
الأردنية الجهة الوحيدة المسؤولة عن صناعة تكرير النفط، رغم أن ذلك
التكرير لا يفي بنصف حاجة السوق منه، حيث هناك ضعف في القدرة على
تلبية احتياجات المملكة من المشتقات النفطية وتحديداً في فصل
الشتاء. وتمنح ثلاث شركات فقط احتكار توزيع
وتسويق المحروقات في الأردن (توتال، المناصير، شركة التسويق التابعة
لمصفاة البترول) مقابل رسوم ترخيص على كل منها 30 مليون دينار، وكان
من ضمن الاتفاقية أن كل شركة مسؤولة عن الاستثمار ببناء خزانات، دون
أن يتم متابعتها من قبل الحكومة إلا مؤخراً. فما حصل أن حسبة هذه
الشركات تكون بالفلسات للتر الواحد، ما جعلها تلجأ إلى الاستيراد من
المصفاة، سعياً للتوفير على نفسها مصاريف الاستيراد، وترك موضوع
التخزين للمصفاة، وبالتالي الإخلال بما التزمت به في
الاتفاقيات. إن وزارة الطاقة والثروة
المعدنية هي الجهة المسؤولة عن تطوير وتنفيذ السياسات والتشريعات
المتعلقة بقطاع الطاقة في الأردن، وهي الجهة المسؤولة عن تنويع مصادر
وأشكال الطاقة المستوردة، وتطوير مصادر الطاقة المحلية والمتجددة، دون
أن يتم الحسم للآن البدائل المتعلقة بالمشتقات النفطية، والتي تدور
حول مقترحات تتعلق باستمرار نشاط التكرير بمعدلاته الحالية في
المصفاة، أو خفض معدل التكرير فيها، أو وقف التكرير واستيراد احتياجات
المملكة من المشتقات النفطية، أو فتح المجال لإنشاء مصفاة جديدة كفرصة
استثمارية لتعزيز أمن التزود بالطاقة.
ورغم رفع الدعم عن القطاع، إلا أن الحكومة ما زالت هي الجهة
المسؤولة عن تحديد أسعار المحروقات بشكل شهري. وكل تلك السياسات
الاحتكارية أوجدت عوائق أمام المستثمرين والمواطنين في تحقيق مبدأ
التنافسية وإنهاء الاحتكار، وتحسين جودة المشتقات النفطية وتوافرها
بأسعار تفضيلية، فقامت الشركات الثلاث بتشكيل ائتلاف فيما بينها في
توزيع المشتقات النفطية عبر محطات المحروقات التابعة لها، لغاية شهر
آيار من العام 2016، وفقاً لاتفاقية موقعة مع الحكومة، على أن يفتح
الباب لشركة رابعة للتقدم بميزة افتتاح محطات تسويقية بعد ذلك، إضافة
إلى الاتفاق على منح شركتي المناصير وتوتال الأردن حق استيراد
المشتقات النفطية الجاهزة بعد هذا التاريخ وبإشراف وزارة الطاقة
والثروة المعدنية دون أن يتحقق شيء من ذلك.
وعليه يجب القول أنه على الحكومة كف اليد عن
تحديد أسعار المشتقات النفطية، فالأصل كونها رفعت الدعم عن هذا القطاع
أن تترك السوق يحدد بنفسه أسعار تلك السلع، مستفيدة من تجربة المملكة
المغربية في بداية العام 2016 في تحرير أسعار المحروقات، حيث تم ذلك
بعد التفاوض والتنسيق مع المهنيين، والاتفاق على أن تكون سنة 2015
مرحلة انتقالية، والتوقيع على محضر مشترك تم بموجبه الاتفاق على تحديد
الأسعار القصوى للمحروقات، كل 15 يوماً، وترك المجال لمحطات الوقود
للتنافس فيما بينها وتوفير كل منها سلعاً تلائم الإمكانيات الشرائية
للمواطنين. وأيضا فتح السوق للاستثمار
في استيراد المشتقات النفطية المكررة، لما له من أثر إيجابي في تعزيز
المنافسة في الصناعات النفطية، وتوافر منتج يتوافق مع المواصفات
العالمية، وتوفير فرص عمل أكثر للأردنيين، وتحقيق رضا أكبر لدى
المستهلكين عن السلعة، فترتفع معدلات الاستهلاك وينخفض سعر السلعة، ما
سيؤثر كلياً على نمو النشاط الاقتصادي. إلا أن هذا الخيار قد يواجهه
تحدٍ له علاقة بتوجه الحكومة بإنشاء شركة لوجستية تتبع لها، للإشراف
على تنظيم ومراقبة سير عمل القطاع الخاص فيما لو تم البت نهائيا
بإمكانية استيراده للمشتقات النفطية.
ويعد تخفيض نسبة الضرائب المفروضة على المشتقات النفطية فرصة
ستوفر على المملكة الكلفة الناتجة عن استيراد المشتقات النفطية، خاصة
بعد أن تهاوت أسعار النفط ، رغم أن إمكانية تخفيض الضرائب على النفط
ليست بالأمر السهل على دولة لا تملك موارد كافية مثل الأردن، كون
الضرائب المتحصلة لها من خلاله ترفد الخزينة بـ 200 – 300 مليون
دينار بالسنة.
إن إنهاء احتكار تكرير وتسويق المشتقات النفطية من شأنه أن
ينتج عنه نتائج إيجابية ستفتح السوق أمام الاستثمار بقطاع النفط ورفع
كفاءة قطاع الطاقة في الأردن وجذب الاستثمارات الخارجية من حيث نقل
وتخزين وتوزيع النفط وتحسين كفاءة العمل وجودته، وإنتاج مشتقات نفطية
تواكب المتطلبات العالمية، والتخلص من بعض المهام المكلفة وغير
المجدية من أجل زيادة الأرباح وجذب استثمارات جديدة.