الجزائر (CNN)-- مع قدوم أي مناسبة وطنية تحتفي بها الجزائر، تعود ملفات عدة إلى دائرة النقاش الوطني ويتجدد معها الجدل، كما هو الحال مع مقترح قانون تجريم الاستعمار، الذي تقدم به مجموعة من نواب المجلس الشعبي الوطني نهاية سنة 2009، ونال وقتها إجماع كل الأطياف السياسية (موالاة ومعارضة)، غير أن يداً خفية عطلته ووضعته في أدراج البرلمان.
ووقع على مقترح القانون، الذي بادر به نائب عن حزب جبهة التحرير الوطني موسى عبدي، وصاغ مسودته نائب عن حزب حركة النهضة المعارض أمحمد حديبي، 154 نائب برلماني من كل التيارات السياسية، في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى البرلمان الجزائري منذ تأسيسه.
ويهدف المقترح، الذي اطلعت CNN بالعربية، على مسودته، إلى تجريم ما اقترفه الاستعمار من أعمال شنيعة في حق الجزائريين، ومطالبة فرنسا بالاعتذار والتعويض المادي والمعنوي على جرائمها، ثم تأسيس محكمة جنائية خاصة بهذه الانتهاكات، ناهيك عن رهن مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية بمدى اعترافها بجرائمها.
بيد أن المقترح لم يعرف طريقه القانونية وفقا للإجراءات المعمول بها في البرلمان، وتوقف مساره عند طاولة اجتماع الحكومة التي كان يرأسها وقتذاك أحمد أويحي، وفي هذا الشأن، يقول رئيس المجلس الشعبي الوطني آنذاك، عبد العزيز زياري، في تصريح لـCNN بالعربية، أن "المقترح لم يجدول في رزنامة القوانين أصلا".
واعترف زياري، أنه كان هناك "تنسيق بين إدارة المجلس والحكومة، هذه الأخيرة رأت أن الوقت غير مناسب لتمرير مقترح قانون تجريم الاستعمار"، مضيفا أن "هذا الأمر متعلق بالسياسة الخارجية وهي من صميم صلاحيات رئيس الجمهورية"، داعيا المطالبين بتفعيل المقترح بطرح مبادرة جديدة.
أما أمحمد حديبي، الذي صاغ مسودة المقترح، يكشف لـCNN بالعربية، أن "فرنسا كانت وراء توقيف المقترح"، مستدلا بذلك للزيارات المكوكية للساسة الفرنسيين من أعضاء الحكومة والأمانة العامة للرئاسة الفرنسية وزير الخارجية الفرنسية آنذاك، "كوشنير" الذي قال أنه "تلقى تطمينات من الجزائر بأن هذا القانون لن يتم تمريره".
وكشف حديبي عن فحوى رسالة سرية، بعث بها رئيس الحكومة احمد اويحي إلى رئيس المجلس عبد العزيز زياري، يوضح فيها رفض الحكومة للمقترح، بحجة، أن الأمر "يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية وليس من صلاحيات النواب، وكذلك له علاقة باتفاقية ''إيفيان'' التي تنص على عدم الدعوة إلى تجريم الاستعمار، وأيضا أن القانون لا يسمح برفع دعوى قضائية ضد الدول".
وتنادي العديد من الفعاليات السياسية ونخبة من المثقفين الجزائريين بالمعاملة بالمثل والندية مع فرنسا، ردًّا على قانون تمجيد الاستعمار الذي أصدرته السلطات الفرنسية سنة 2005، وفي هذا الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة سطيف بشير بودلال، أنه ينبغي تفعيل قانون تجريم الاستعمار في إطار إجماع وطني ليس فقط في إطار المعاملة بالمثل والندية وإنما في إطار أوسع وأعمق.
وكان رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم، قد دعا، في حوار مع CNN بالعربية، إلى تفعيل هذا المقترح وأن "يعود إلى طاولة المجلس الشعبي الوطني، لأن العلاقات ينبغي أن تتم في إطار الندية، أي الدولة الجزائرية مع الدولة الفرنسية، مع الأخذ بعين الاعتبار المصلحة المشتركة للشعبين في كلا البلدين".
وتابع بودلال، في حديثه لـCNN بالعربية، كلامه قائلا: "ينبغي كذلك تدويل مسعى تجريم ومناهضة الفكر الاستعماري والتنسيق في ذلك مع دول وشعوب وجماعات عانت من فظاعة الاستعمار الفرنسي، ولما الوصول إلى قرار دولي ولو من الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة الاستعمار" .
ورغم تصاعد أصوات المنادين بتفعيل مقترح قانون تجريم الاستعمار، غير أن أحزاب المولاة والتي تمتلك الأغلبية في البرلمان ترى أن هذه القضية أصبحت سجلا تجاريا في يد أطراف لم تسمها، وعن هذا، يقول المكلف بالإعلام داخل جبهة التحرير الوطني، حسين خلدون، أن "قضية تجريم الاستعمار يجب ألا تكون ورقة تتلاعب بها أطراف في المواسم الوطنية".
أما القيادي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي شيهاب صديق، يؤكد في تصريح لـCNN بالعربية، أنه "لا يمكن طرح مبادرة جديدة"، بمبرر أن الذاكرة العالمية والإنسانية جرّمت الاستعمار ولا يحتاج، حسبه، إلى قانون. وفضّل شيهاب، ترك الأمر لضمير الشعب الفرنسي، الذي لا يستطيع أن ينكر أن بلاده ارتكبت مجازر بشعة في حق الجزائريين.
ويضيف خلدون في حديثه لـCNN بالعربية، أن "مجرد التفكير في وضع قانون لتجريم الاستعمار هو إدانة مباشرة للقيادات التاريخية للثورة والقيادات السياسية التي جاءت بعد الاستقلال إلى يوم وكذا لكل الرجال الذين تعاقبوا على البرلمان"، متسائلا في الوقت ذاته، "هل كان خافيا عنهم وضع مثل هذا القانون؟ هل نحن أكثر وطنية منهم؟".
ويقترح خلدون بدل الخوض في موضوع تجريم الاستعمار، "التفكير في كيفية التعامل مع فرنسا بمبدأ الندية" و"كيف نحمي عناصر هويتنا وسيادتنا وكيف نتعاطى معهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا"، بالموازاة مع ذلك "نطالب فرنسا بتعويض الأضرار عن الجرائم التي ارتكبتها والتي لازالت آثارها قائمة إلى اليوم".