المأزق السياسي بالمغرب.. ما هي مآلات تعثر المفاوضات في تشكيل الحكومة؟

العالم
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير اسماعيل عزّام
المأزق السياسي بالمغرب.. ما هي مآلات تعثر المفاوضات في تشكيل الحكومة؟
Credit: FADEL SENNA/AFP/Getty Images

الرباط (CNN)-- مرّ 38  يومًا على تعيين الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران رئيسًا لحكومة المغرب ومكلفًا بتشكيلها، وخلال الأيام الأولى من التعيين، قاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مشاورات مع غالبية الأحزاب الحاصلة على مقاعد في الانتخابات التشريعية التي تبوّأ الحزب "الإسلامي" صدارتها، غير أن مسار تشكيل الحكومة دخل نفقًا مظلمًا بعدما تبيّن أن هناك أحزابًا تضع شروطًا قاسية للمشاركة.

ولم يعد خافيًا على أحد الصعوبات الكبيرة التي تواجهها ولادة الحكومة الجديدة، فأحزاب التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الدستوري، الحركة الشعبية، تتشبت بحضور بعضها بعضًا في الحكومة حتى تقبل عرض بنكيران، كما يرفض حزب "الأحرار" حضور حزب الاستقلال في الحكومة، زاد من ذلك الموقف غير الواضح لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي لو قبل عرض بنكيران، فسيضمن لهذا الأخير تشكيل أغلبية حكومية، بما أنه ضمن مسبقًا حضور حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية.

الصراعات بين الأحزاب السياسية المغربية ظهرت جليًا في الكلمة التي ألقاها قبل أيام عبد الإله بنكيران، عندما أكد أنه لن يفرّط في حزب الاستقلال، متحدثًا عن أن بعض الأحزاب عقدت اجتماعات لأجل الانقلاب على نتائج الانتخابات، ومحاولة الدفع نحو تعيين رئيس مجلس النواب من خارج الأغلبية، لافتًأ إلى أنه لن يقبل أن يأتي أيّ شخص كيفما كان ليتصرف معه على أساس أنه هو رئيس الحكومة، وهو ما جرّ عليه انتقادات من عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار.

ورغم أن بنكيران خرج أمس الخميس بتصريحات لجريدة "أخبار اليوم"، حول لقاء جمعه بعزيز أخنوش، وأن هذا اللقاء "بدد قليلا من سوء التفاهم بينهما ، ساهم في تجاوز التشنج"، إلّا أن بنكيران أكد أن اللقاء لم تقع فيه أيّ برمجة لأي شيء بخصوص استئناف مشاورات تشكيل الأغلبية الحكومية.

وبناء على هذه المعطيات، تُطرح أسئلة حول مآل تشكيل الحكومة المغربية، فهو ينصّ على ترؤس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات وتكليف شخصية من الحزب بقيادة المشاورات، ويرهن تشكيل هذه الحكومة بالتقاطبات الحزبية وكذا بموافقة القصر الملكي على الشخصيات المستوزرة، بينما لا يعطي أيّ حلول في حال ما فشلت المشاورات الحكومية، ممّا قد يُدخل المغرب في أول أزمة تشكيل حكومة على ضوء دستور 2011.

ويرى أمين السعيد، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن ما يحدث يعود إلى "أعطاب النظام الانتخابي الملغوم سياسيًا، وبغياب استقلالية القرار الحزبي وبضبابية التحالفات السياسية"، زيادة على وجود "بياضات دستورية فتحت المجال لبروز تأويلات تناقض الدستور وجوهر الانتخابات تُطالب بمنح رئاسة الحكومة للحزب الثاني أو الثالث"، متابعًا أن المشرّع الدستوري مطالب بتحديد أجل محدد لتشكيل الحكومة حتى "لا نقع مستقبلا في هذا التأخر وما يتلوه من جمود في أشغال غرفتي البرلمان وتأخرهما في العديد من المقترحات والمشاريع، خاصة مشروع قانون المالية.

ويقدم السعيد في تصريحه لـCNN بالعربية حلين اثنين ممكنين من الناحية الدستورية في حال فشل رئيس الحكومة بتشكيل الحكومة، أولها تقديم بنكيران لاستقالته وتعيين الملك لشخصية من الحزب نفسه، أي العدالة والتنمية، لإعادة إجراء مفاوضات تشكيل الحكومة من جديد، أما الحل الثاني، فهو دعوة الملك إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد استقالة بنكيران التي ينظمها الدستور.

ويرى أحمد مفيد، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة فاس أن أسباب هذا التأخر في تشكيل الحكومة، يعود إلى اختلالات كبرة في المجال السياسي، أساسها نمط الاقتراع في الانتخابات الذي لا يخوّل لأي حزب سياسي مهما كانت قوته وطبيعة برنامجه الحصول على الأغلبية المطلقة، وهو النمط الذي يساهم في تشتيت الأصوات، ممّا يؤثر سلبًا على تشكيل الحكومة، ويطرح إشكالات في مدى التزام الأحزاب ببرامجها الانتخابية بعد دخولها الحكومة.

غير أن مفيد، وفي تصريحاته لـCNN بالعربية، لا يرى أن الدستور مطالب بتحديد أجل معين لتشكيل الحكومة، بما أن الدساتير ليس مطلوبًا منها أن تدخل في التفاصيل وفق قوله، لافتًا إلى أن الحل لتجاوز هذا الإشكال هو تعديل القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب بُغية تغيير نمط الاقتراع، ممّا سيمكّن من تشكيل  الحكومة من حزب واحد أو حزبين على الأكثر، وكذا انسجام الأغلبية، ووضع برنامج حكومي واضح ودقيق، وربط أقوى للمسؤولية بالمحاسبة.

وأكد مفيد أنه لا يمكن بتاتًا القفز على الدستور بتكليف حزب آخر، غير العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة، مشيرًا إلى أن افتراض فشل بنكيران في مهمته، يجعلنا أمام ثلاثة احتمالات: الأول تكليفه من جديد بفتح مشاورات جديدة. الثاني تكليف شخصية أخرى من حزب العدالة والتنمية بقيادة المشاورات، والثالث إجراء انتخابات سابقة لأوانها، وهو احتمال مكلّف سياسيًا وماديًا، ولهذا فالبحث عن توافق سياسي لتجاوز المأزق الحالي ضروري بالنظر إلى ما يتبع هذا التأخر من آثار سلبية على مستوى التدبير الحكومي والتشريعي، يتابع مفيد.