مقال جون ماك تيرنين، كاتب خطابات سابق لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير ومدير التواصل الإعلامي السابق لرئيسة الوزراء الاسترالية السابقة، جوليا غيلارد. المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعكس بالضرورة موقف CNN.
لندن، بريطانيا (CNN) -- لقد مات ديكتاتور. ربما بات بوسع المواطنين في بلد آخر ربما الاستعداد لتوديع الأخطاء والمصائب الاقتصادية المرافقة للأيديولوجية الشيوعية. بات بوسع المواطنين تمني الحصول على حق التحدث بحرية وامتلاك صحافة حرة وحقوق إنسانية أساسية باتت اليوم أمرا طبيعيا حول العالم.
هل هي بالفعل لحظة احتفال؟ قد لا تكون كذلك لليساريين. بالنسبة لهم فإن موت فيديل كاسترو يشكل لحظة حزن. خذوا على سبيل المثال جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني، الذي قال إن موت فيديل كاسترو يمثل "لحظة رحيل شخصية كبيرة في التاريخ المعاصر وفي تاريخ التحرر الوطني والحركة الاشتراكية خلال للقرن العشرين."
في الواقع، فإن التصريح الوحيد الصحيح هو الجزء الأخير من هذا الموقف. كاسترو كان بالفعل شخصية تاريخية على المستوى العالمي لأنه حول بلده إلى مجرد تابع له شخصيا وللاتحاد السوفيتي السابق، عوض أن يعمل ليضمن استقلاله. وقد استفدنا من عمله على مدار خمسة عقود بما لا يدع مجالا للشك أن الاقتصاد الاشتراكي يفيد بأمر واحد فقط: التسبب في إفقار أمة بأكملها.
لقد تسارعت وتيرة بيانات النعي والعزاء من شخصيات كان يُنتظر منها ذلك. الرئيس ماديرو من فنزويلا وموراليس من بوليفيا وكوريا من الاكوادو. لكن ما الذي يفسر لنا هذا التهافت اليساري على رثاء ديكتاتور وحشي مسؤول عن إعدام آلاف الكوبيين؟
العامل الأول لتفسير ذلك يكمن في نزعة العداء لأمريكا. بالنسبة للكثير من قادة اليسار فإن مبدأ "عدو عدوي صديقي" هو الأساس. وكان يجب بالتالي تقديم كل الدعم لكاسترو بسبب عدائه المستحكم مع أمريكا، علما أن اليسار انتقد المبدأ نفسه عندما طبقه الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغان، عبر تقديمه الدعم للأنظمة القمعية.
وبدون أي حس بالسخرية، امتدح البعض الزعيم الكوبي الراحل بسبب طول فترة حكمه واستمراره في السلطة رغم تعاقب الرؤساء الأمريكيين على السلطة دون أن ينجحوا في الإطاحة به، لكن أحدا لم يُفكر في انتقاد بقائه طوال تلك السنوات على رأس الدولة دون إجراء انتخابات.
العامل الثاني هو انخراط البعض انخرط في لعبة "الغاية تبرر الوسيلة" مشيدين بنجاح النظام الكوبي في إنشاء منظومة ممتازة للتعليم والصحة، وكأن النجاح في هذين الحقلين يبرر الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسانية التي دأبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" وجهات أخرى على الإشارة إليها.
العالم اليوم مليء بالأمثلة على الدول التي نجحت في إنجاز ديمقراطية قوية وتطوير منظومات الصحة والتعليم بالوقت عينه. في الواقع فإن النظام الصحي لكوبا – ومنذ ما قبل الثورة - كان أفضل بكثير من دول أمريكا الجنوبية وكان للجزيرة أدنى معدل لوفيات الأطفال بالمنطقة باعتبار أن الجزيرة كان أغنى من جيرانها ولديها شريحة أكبر من متوسطي الدخل وقد عملت السياسات الشيوعية والشركات الحكومية بعد الثورة بجهد من أن تدمير الإمكانيات الواعدة لكوبا.
رغم ذلك، لا تكفي هذه الأسباب بمفردها لتبرير الولع اليساري بكاسترو، لذلك يجب التنبه إلى العامل الثالث الذي قد يكون الأسوأ بين الأسباب السابقة، ويتعلق بدعم اليساريين تقليديا للعنف. الثوريون والديكتاتوريون كانوا على الدوام يستخدمون العنف. وبالنسبة لداعمي كاسترو فإن الأمر ليس مجرد ضريبة تُشكل ثمنا للتغيير وإنما يعتبر العنف جزءا أساسيا من الأطروحة ككل.
النزعة العسكرية وتحويل تشي غيفارا إلى أيقونة، كل هذه الأمور تشكل انعكاسا لأطروحة العنف. هناك جانب بدائي ومدفون في نزعة اليسار لحب كوبا وهو مرتبط بشكل لا يقبل الشك بالشعور الدفين لدى اليسار بأن اتخاذ العنف سبيلا للوصول إلى السلطة هو أقصر الطرق للفوز دون الحاجة لأمور غير ضرورية مثل الفوز بعقول وقلوب الناخبين في منافسة ديمقراطية.
يجب أن تكون وفاة كاسترو علامة لموت أي إيمان ممكن بنجاح الاشتراكية وفائدتها كنظام اقتصادي ولكنها عوضا عن ذلك تحولت إلى مناسبة للاحتفال بـ"بطل العدالة الاجتماعية" كما يصفه أنصاره. هذا الأمر لا يجب أن يثير التساؤلات حول توجهات اليسار بل يجب أن يجعل اليساريين يشعرون بالعار أيضا.